فيما يبيحه وإنما يباح بالعجز عن استعمال الماء بتعذره أو بعسره لخوف ضرر ظاهر وأسباب العجز سبعة أحدها فقد الماء وللمسافر فيه أربعة أحوال أحدها أن يتيقن عدم الماء حوله كبعض رمال البوادي فيتيمم ولا يحتاج إلى طلب الماء على الأصح الثانية أن يجوز وجوده تجويزا بعيدا أو قريبا فيجب تقديم الطلب قطعا ويشترط في الطلب أن يكون بعد دخول وقت الصلاة وله أن يطلب بنفسه ويكفيه طلب من أذن له على الصحيح ولا يكفيه طلب من لم يأذن له قطعا والطلب أن يفتش رحله فإذا لم يجد نظر يمينا وشمالا وقداما وخلفا إن استوى موضعه ويخص مواضع الخضرة واجتماع الطير بمزيد احتياط وإن لم يستو الموضع نظر إن خاف على نفسه أو ماله لو تردد لم يجب التردد وإن لم يخف وجب التردد إلى حد يلحقه غوث الرفاق مع ما هم عليه من التشاغل بشغلهم والتفاوض في أقوالهم ويختلف ذلك باستواء الأرض واختلافها صعودا وهبوطا فإن كان معه رفقة وجب سؤالهم إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى إلا ما يسع تلك الصلاة في الأصح وفي وجه إلى أن يبقى ما يسع ركعة وفي وجه يستوعبهم وإن خرج الوقت.
قلت قال أصحابنا ولا يجب أن يطلب من كل واحد من الرفقة بعينه بل ينادي فيهم من معه ماء من يجود بالماء ونحوه حتى قال البغوي وغيره لو قلت الرفقة لم يطلب من كل واحد بعينه ولو بعث النازلون ثقة يطلب لهم كفاهم كلهم والله أعلم.
ومتى عرف معهم ماء وجب استيهابه على الأصح هذا كله إذا لم يسبق منه تيمم وطلب فإن سبق نظر إن جرى أمر يحتمل بسببه حصول ماء بأن انتقل من موضعه أو طلع ركب أو سحابة وجب الطلب أيضاً لكن كل موضع تيقن بالطلب الأول أن لا ماء فيه ولم يحتمل حدوثه فيه لم يجب الطلب منه على المذهب وإن لم يجر الأمر المذكور نظر فإن كان تيقن عدم الماء لم يجب على الأصح وإن كان ظنه وجب على الأصح لكنه أخف طلبا من الأول وسواء في هذا كله تخلل بين التيممين زمن طويل أو قصير أو لم يتخلل.
الحالة الثالثة أن يتيقن وجود الماء حواليه وله ثلاث مراتب.
الأولى أن يكون على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي فيجب السعي إليه ولا يجوز التيمم وهذا فوق حد الغوث الذي يقصده عند التوهم قال محمد بن يحيى لعله يقرب المرتبة الثانية أن يكون بعيدا بحيث لو سعى إليه فاته فرض الوقت فيتيمم على المذهب بخلاف ما إذا كان واجدا للماء وخاف فوت الوقت لو توضأ فإنه لا يجوز التيمم على المذهب وفي التهذيب وجه شاذ أنه يتيمم ويصلي في الوقت ثم يتوضأ ويعيد وليس بشيء ثم الأشبه بكلام الأئمة أن الاعتبار في هذه المسافة من أول وقت الصلاة الحاضرة لو كان نازلا في ذلك الموضع ولا بأس باختلاف المواقيت في الطول والقصر ولا باختلاف المسافة في السهولة والصعوبة فإن كان التيمم لفائتة أو نافلة اعتبر بوقت الفريضة الحاضرة وعلى هذا لو انتهى إلى المنزل في آخر الوقت والماء في حد القرب وجب قصده والوضوء وإن فات الوقت كما لو كان الماء في رحله فإنه يتوضأ وإن فات الوقت.
قلت هذ الذي ذكره الإمام الرافعي ونقله عن مقتضى كلام الأصحاب من اعتبار أول الوقت ليس كما قاله بل الظاهر من عباراتهم أن الاعتبار بوقت الطلب هذا هو المفهوم من كتبهم المشهورة والمهجورة وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله في الأم وغيره فإن عبارته وعبارتهم وإن دل على ماء ولم يخف فوت الوقت ولا ضررا لزمه طلبه هذا نصه ونصهم وهو صريح أو كالصريح فيما قلته وقد تتبعت ذلك وأتقنته والله أعلم.
المرتبة الثالثة أن يكون بين المرتبتين فيزيد على ما ينتشر إليه النازلون ويقصر عن خروج الوقت فهل يجب قصده أم يجوز التيمم نص الشافعي رحمه الله أنه إن كان على يمين المنزل أو يساره وجب وإن كان صوب مقصده لم يجب فقيل بظاهر النصين وقيل فيهما قولان والمذهب جواز التيمم وإن علم وصوله إلى الماء في آخر الوقت وإذا جاز ذلك للسائر إلى جهة الماء فالنازل الذي عن يمينه أو يساره أولى والسائر وهو على يمينه أو يساره أولى هذا في المسافر أما المقيم فلا يجوز له التيمم وإن خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء لأنه لا بد له من القضاء ثم إذا قلنا في المسافر بالمذهب وهو جواز التيمم مطلقا فإن تيقن وجود الماء آخر الوقت فالأفضل تأخير الصلاة ليؤديها بالوضوء وفي التتمة وجه شاذ أن تقديمها بالتيمم أفضل لفضيلة أول الوقت وإن لم يتيقن الماء ولكن رجا فقولان أظهرهما التقديم أفضل وموضع القولين إذا اقتصر على صلاة واحدة أما إذا صلى بالتيمم أول الوقت وبالوضوء مرة أخرى آخره فهو النهاية في إحراز الفضيلة وإن ظن عدم الماء أو تساوى احتمال وجوده وعدمه فالتقديم أفضل قطعا وربما وقع في كلام بعضهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود ولا وثوق بهذا النقل.
قلت قد صرح الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والمحاملي وآخرون بجريان القولين فيما إذا تساوى الاحتمال والله أعلم.
أما تعجيل المتوضىء وغيره الصلاة في أول الوقت منفردا وتأخيرها لانتظار الجماعة ففيه ثلاثة قلت قطع معظم العراقيين بأن التأخير للجماعة أفضل ومعظم الخراسانيين بأن التقديم منفردا أفضل وقال جماعة هو كالتيمم فإن تيقن الجماعة آخر الوقت فالتأخير أفضل وإن ظن عدمها فالتقديم أفضل وإن رجاها فقولان وينبغي أن يتوسط فيقال إن فحش التأخير فالتقديم أفضل وإن خف فالتأخير أفضل وموضع الخلاف إذا اقتصر على صلاة فأما إذا صلى أول الوقت منفردا وآخره مع الجماعة فهو النهاية في الفضيلة وقد جاء به الحديث في صحيح مسلم وغيره.
قال صاحب البيان قال أصحابنا والقولان في التيمم يجريان في مريض عجز عن القيام ورجاه آخر الوقت أو رجا العريان السترة آخره هل الأفضل تقديم الصلاة على حالهما أم التأخير قال ولا يترك الترخص بالقصر في السفر وإن علم إقامته آخر الوقت بلا خلاف قال قال صاحب الفروع إن خاف فوت الجماعة لو أكمل الوضوء فإدراكها أولى من الانحباس لإكماله وفي هذا نظر والله أعلم.
الحالة الرابعة أن يكون الماء حاضرا بأن يزدحم مسافرون على بئر لا يمكن أن يستقي منها إلا واحد بعد واحد لضيق الموقف أو اتحاد الآلة فإن توقع حصول نوبته قبل خروج الوقت لم يجز التيمم وإن علم أنها لا تحصل إلا بعد الوقت فنص الشافعي رحمه الله أنه يجب الصبر ليتوضأ ونص في عراة معهم ثوب واحد يتناوبونه أنه يصبر ليستر عورته ويصلي بعد الوقت ونص في جماعة في موضع ضيق لا يمكن أن يصلي فيه قائما إلا واحد أنه يصلي في الوقت قاعدا إذا علم أن نوبته لا تحصل إلا بعد الوقت وهذا يخالف النصين في المسألتين السابقتين فالأصح ما قاله أبو زيد وغيره أن في الجميع قولين أحدهما يصلي في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا لحرمة الوقت والثاني يصبر للقدرة والطريق الثاني تقرير النصين فيصبر للوضوء واللبس دون القيام لسهولة أمره.
وقال كثيرون لا نص في مسألة البئر ونص في الأخريين على ما سبق وألحقوا الوضوء بالقيام لحصول بدلهما فقالوا يتيمم في الوقت ويصلي وأجرى إمام الحرمين والغزالي هذا الخلاف فيما إذا لاح للمسافر الماء ولا عائق دونه ولكن ضاق الوقت وعلم أنه لو اشتغل به فاته الوقت وهذا يقتضي إثبات الخلاف في المرتبة الثانية من الحالة الثالثة وقد أشرنا إليه هناك.
قلت الأصح من الطريقين إجراء القولين في الجميع وأظهرهما يصلي في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا ولا إعادة على المذهب في التهذيب في وجوب الإعادة قولان والله أعلم.
إذا وجد الجنب أو المحدث ما لا يكفيه لطهارته وجب استعماله على الأظهر ثم يجب التيمم بعده للباقي فيغسل المحدث وجهه ثم يديه على الترتيب ويغسل الجنب من جسده ما شاء والأولى أعضاء الوضوء فإن كان محدثا جنبا ووجد ما يكفي الوضوء وحده فإن قلنا بالمذهب أنه يدخل الأصغر في الأكبر فهو كالجنب المحض وإن قلنا لا يدخل توضأ به عن الأصغر وتيمم عن الجنابة يقدم أيهما شاء هذا كله إذا صلح الموجود للغسل فإن لم يجد المحدث إلا ثلجا أو بردا لا يقدر على إذابته لم يجب استعماله على المذهب وقيل فيه القولان فإن أوجبنا تيمم عن الوجه واليدين ثم مسح به الرأس ثم تيمم للرجلين هذا كله إذا وجد ترابا فإن لم يجده وجب استعمال الناقص على المذهب وقيل فيه القولان.
قلت ولو لم يجد إلا ترابا لا يكفيه للوجه واليدين وجب استعماله على المذهب وقيل فيه القولان ولو لم يجد ماء ووجد ما يشتري به بعض ما يكفيه من الماء ففي وجوبه القولان فإن لم يجد ماء ولا ترابا ففي وجوب شراء بعض ما يكفي من الماء الطريقان ولو تيمم ثم رأى ما لا يكفيه فإنه احتمل عنده أنه يكفيه بطل تيممه وإن علم بمجرد رؤيته أنه لا يكفيه فعلى القولين في استعماله إن أوجبناه بطل وإلا فلا ولو كان عليه نجاسات ووجد ما يغسل بعضها وجب على المذهب ولو كان جنبا أو محدثا أو حائضا وعلى بدنه نجاسة ووجد ما يكفي أحدهما تعين للنجاسة فيغسلها ثم يتيمم فلو تيمم ثم غسلها جاز على الأصح وبقيت لهذه المسألة فروع استقصيتها في شرحي المهذب والتنبيه والله أعلم.
إذا كان معه ماء يصلح لطهارته فأتلفه بإراقة أو شرب أو تنجيس تيمم قطعا ثم إن كان الإتلاف قبل الوقت مطلقا أو بعده لغرض كشرب للحاجة أو غسل ثوب للنظافة أو تبرد أو اشتبه الإناآن واجتهد ولم يظهر له شيء فأراقهما أو صب أحدهما في الآخر فلا إعادة عليه وإن كان بعد الوقت لغير غرض فلا إعادة أيضاً على الأصح لفقده وقيل يجب لعصيانه قطعا ولو اجتاز بماء في الوقت فلم يتوضأ فلما بعد منه صلى بالتيمم لم يعد على المذهب وقيل فيه الوجهان وهو شاذ ولو وهب الماء في الوقت أو باعه من غير حاجة للمتهب والمشتري كعطش ونحوه ولا حاجة للبائع إلى ثمنه ففي صحة البيع والهبة وجهان الأصح لا يصحان فإن صح فحكمه في القضاء حكم الإراقة وإن لم يصح لم يصح تيممه ما دام الماء في يد المبتاع والموهوب له وعليه الإسترداد فإن لم يقدر وتيمم وجب القضاء وإن أتلف في يده فهو كالإراقة ثم في المقضي في الصور ثلاثة أوجه الأصح تقضى الصلاة التي فوت الماء في وقتها والثاني تقضى أغلب ما يؤديه بوضوء واحد والثالث تقضى كل صلاة صلاها بالتيمم.
قلت وإذا وجب القضاء لا يصح في الوقت بالتيمم بل يؤخره إلى وجود الماء أو حالة يسقط الفرض فيها بالتيمم.
قال أصحابنا وإذا قلنا لا يصح هبة هذا الماء وتلف في يد الموهوب له فلا ضمان عليه على السبب الثاني الخوف على نفسه أو ماله فإذا كان بقربه ما يخاف من قصده على نفسه أو عضوه من سبع أو عدو أو على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاصب أو سارق أو كان في سفينة وخاف لو استقى من البحر فله التيمم ولو خاف من قصده الانقطاع عن رفقته تيمم إن كان عليه منه ضرر وكذا إن لم يكن ضرر على الأصح ولو وهب الماء لعادمه وجب قبوله على الصحيح ولو أعير الدلو والرشاء وجب قبوله قطعاً.
وقيل إن زادت قيمة المستعار على ثمن الماء لم يجب قبوله ولو أقرض الماء وجب قبوله على الصحيح ولو وهب له أجنبي ثمن الماء أو آلة الاستقاء لم يجب قبوله وكذا لو وهبه الأب أو الابن على الصحيح ولو أقرض ثمن الماء وهو معسر لم يجب قبوله وكذا إن كان موسرا بمال غائب على الأصح ولو بيع الماء بنسيئة وهو معسر لم يجب قبوله وإن كان موسرا وجب على الصحيح.
قلت وصورة المسألة أن يكون الأجل ممتدا إلى أن يصل إلى بلد ماله والله أعلم.
ولو وجد ثمن الماء واحتاج إليه لدين مستغرق أو نفقة حيوان محترم معه أو لمؤنة من مؤن سفره في ذهابه وإيابه لم يجب شراؤه وإن فضل عن هذا كله وجب الشراء إن بيع بثمن المثل ويصرف إليه أي نوع كان معه من المال وإن بيع بزيادة لم يجب الشراء وإن قلت الزيادة وقيل إن كانت مما يتغابن بمثلها وجب وهو ضعيف وإن بيع نسيئة وزيد بسبب الأجل ما يليق وفي ضبط ثمن المثل أوجه الأصح أنه ثمنه في ذلك الموضع وتلك الحالة والثاني ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات والثالث أنه قدر أجرة نقله إلى ذلك الموضع وهو ضعيف ولم يتقدم الغزالي أحد باختياره إياه ولو بيع آلة الاستقاء أو أجرها بثمن المثل وأجرته وجب القبول فإن زاد لم يجب كذا قاله الأصحاب ولو قيل يجب التحصيل ما لم يجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان حسنا ولو لم يجد إلا ثوبا وقدر على شده في الدلو ليستقي لزمه ذلك فلو لم يكن دلو وأمكن إدلاؤه في البئر ليبتل ويعصر ما يوضئه لزمه فلو لم يصل الماء وأمكن شقه وشد بعضه ببعض لزمه هذا كله إذا لم يحصل في الثوب نقص يزيد على أكثر الأمرين ثمن الماء وأجرة الحبل.
السبب الثالث الحاجة إلى الماء لعطش ونحوه فيه مسائل أحدها إذا وجد ماء واحتاج إليه لعطشه أو عطش رفيقه أو حيوان محترم في الحال أو في المآل بعوض أو بغيره جاز التيمم وذكر إمام الحرمين والغزالي ترددا في التزود لعطش رفيقه والمذهب القطع بجوازه وضبط الحاجة يقاس بما سيأتي في المرض المبيح إن شاء الله تعالى وللعطشان أن يأخذه من صاحبه قهرا إذا لم يبذله وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير والكلب العقور وسائر الفواسق الخمس وما في معناها ولا يكلف أن يتوضأ بالماء ثم يجمعه ويشربه على المذهب قال أبو علي الزجاجي بضم الزاي والماوردي وآخرون من كان معه ماءان طاهر ونجس قلت ذكر الشاشي كلام الماوردي هذا ثم أنكره واختار أنه يشرب الطاهر ويتيمم وهذا هو الصحيح وهذا الخلاف فيما بعد دخول الوقت أما قبله فيشرب الطاهر بلا خلاف صرح به الماوردي وغيره قال المتولي ولو كان يرجو وجود الماء في غده ولا يتحققه فهل له التزود وجهان الأصح جوازه والله أعلم.
المسألة الثانية قال الشافعي رحمه الله إذا مات رجل له ماء ورفقته عطاش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه وصورة المسألة أنهم رجعوا إلى البلد وأراد بالثمن القيمة موضع الإتلاف ووقته وقيل أراد مثل القيمة.
الثالثة إذا أوصى أو وكل بصرف ماء إلى أولى الناس به فحضر ميت وجنب وحائض ومن على بدنه نجاسة ومحدث فالميت وصاحب النجاسة أولاهم والميت أولاهما على الأصح فلو كان على الميت أيضاً نجاسة فهو أولى قطعا ولا يشترط لاستحقاق الميت قبول وارث كما لو تطوع انسان بكفنه وفيه وجه شاذ أنه يشترط ولو مات اثنان أحدهما قبل الآخر وكان قبل موتهما ماء يكفي أحدهما فالأول أولى فإن ماتا معا أو وجد الماء بعد موتهما فأفضلهما أولى فإن استويا أقرع بينهما أما إذا اجتمع الجنب والحائض فثلاثة أوجه الأصح الحائض أولى والثاني الجنب والثالث سواء فعلى هذا إن طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة فإن لم نوجب استعمال الناقص أقرع وإن أوجبناه أقرع على الأصح وعلى الثاني يقسم وإن اتفقا على القسمة جاز إن أوجبنا استعمال الناقص وإلا فلا ولو اجتمع جنب ومحدث فإن كان الماء يكفي للوضوء دون الغسل فالمحدث أولى إن لم نوجب استعمال الناقص وإن أوجبناه فأوجه الأصح المحدث أولى والثاني الجنب والثالث سواء وإن لم يكف واحدا منهما فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله وإلا فهو كالمعدوم وإن كفى وفضل عن الوضوء شيء دون الغسل فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص وإن أوجبناه فعلى الأوجه الثلاثة أصحها الجنب أولى وإن فضل عن كل واحد أو لم يفضل عن واحد أو كفى الجنب دون المحدث فالجنب أولى قطعاً.
ولو انتهى هؤلاء المحتاجون إلى ماء مباح واستووا في إحرازه وإثبات اليد عليه ملكوه بالسوية ولا يجوز لأحد أن يبذل نصيبه لغيره وإن كان أحوج منه وإن كان ناقصا إلا إذا قلنا لا يجب استعمال الناقص كذا قاله إمام الحرمين والغزالي وقال أكثر الأصحاب إن المستحب تقديم الأحوج فالأحوج كالوصية ولا منافاة بين الكلامين وأراد الأصحاب أن المستحب تقديم الأحوج وأنهم لو تنازعوا كان كما قاله إمام الحرمين ويمكن أن ينازعهم في الاستحباب ويقول لا يجوز العدول عن ماء يتمكن منه للطهارة.
السبب الرابع العجز بسبب الجهل هذا قد جعله الغزالي سببا ولقائل أن يقول ليس هو سببا فإن السبب هو ظن العدم وذلك موجود وأما قضاء الصلاة فأمر آخر واللائق ذكره في آخر سبب الفقد أو فيما يقضى من الصلوات.
قلت بل له هنا وجه ظاهر فإن من جملة صوره إذا أضل راحلته أو ماءه فهذا من وجه كالواجد فيتوهم أنه لا يجوز له التيمم ومن وجه عادم فلهذا ذكره الغزالي في الأسباب المبيحة للاقدام على التيمم والله أعلم.
وفيه مسائل: الأولى لو نسي الماء في رحله أو علم موضع نزوله بئرا فنسيها وصلى بالتيمم فطريقان أحدهما تجب الإعادة قطعا وأصحهما على القولين الجديد المشهور وجوبها كنسيان عضو الطهارة وساتر العورة ولو نسي ثمن الماء فكنسيان الماء وقيل يحتمل غيره.
الثانية لو أدرج في رحله ماء لم يعلم به فتيمم وصلى ثم علم أو تيمم ثم علم بقربه بئرا لم يكن علمها فطريقان أحدهما لا إعادة وأصحهما على قولين أظهرهما لا إعادة.
الثالثة لو أضل الماء في رحله وصلى بالتيمم إن لم يمعن في الطلب وجبت الإعادة وإن أمعن حتى ظن العدم وجبت أيضاً على الأظهر وقيل الأصح.
الرابعة أضل رحله في الرحال إن لم يمعن في الطلب أعاد وإن أمعن فالمذهب أنه لا إعادة السبب الخامس المرض وهو ثلاثة أقسام.
الأول ما يخاف معه من الوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو منفعة عضو فبيح التيمم ولو خاف مرضا مخوفا تيمم على المذهب.
الثاني أن يخاف زيادة العلة وهو كثرة ألم وإن لم تزد المدة أو يخاف بطء البرء وهو طول مدة المرض وإن لم يزد الألم أو يخاف شدة الضنا وهو المرض المدنف الذي يجعله زمنا أو يخاف حصول شين قبيح كالسواد على عضو ظاهر كالوجه وغيره مما يبدو في حال المهنة ففي الجميع ثلاث طرق أصحها في المسألة قولان أظهرهما جواز التيمم والثاني لا يجوز قطعاً.
والثالث يجوز قطعا الثالث أن يخاف شيئا يسيرا كأثر الجدري وسواد قليل أو شينا قبيحا على غير الأعضاء الظاهرة أو يكون به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة وإن كان يتألم في الحال بجراحة أو برد أو حر فلا يجوز التيمم لشيء من هذا بلا خلاف.
فرع يجوز أن يعتمد في كون المرض مرخصا على معرفة نفسه إن كان عارفا ويجوز اعتماد طبيب حاذق بشرط الاسلام والبلوغ والعدالة ويعتمد العبد والمرأة ولنا وجه شاذ أنه يعتمد الصبي فرع إذا عمت العلة أعضاء الطهارة اقتصر على التيمم وإن كانت في البعض غسل الصحيح وفي العليل كلام مذكور في الجريح.
قلت وإذا لم يوجد طبيب بشرطه قال أبو علي السبخي لا يتيمم ولا فرق في هذا السبب بين الحاضر والمسافر والحدث الأصغر والأكبر ولا إعادة فيه والله أعلم.
السبب السادس إلقاء الجبيرة وهي تكون لكسر أو انخلاع وتارة يحتاج إلى الجبيرة على الكسر أو الانخلاع وتارة لا يحتاج ويعتبر في الحاجة ما تقدم في المرض.
فالحالة الأولى إذا احتاج ووضع الجبيرة فإما أن يقدر على نزعها عند الطهارة من غير ضرر من الأمور المتقدمة في المرض وإما أن لا يقدر فإن لم يقدر لم يكلف النزع ويراعي في طهارته أمورا .
الأول غسل الصحيح وهو واجب على المذهب وقيل قولان فعلى المذهب يجب غسل ما يمكن حتى ما تحت أطراف الجبيرة من الصحيح بأن يضع خرقة مبلولة عليها ويعصرها لتغسل تلك المواضع بالمتقاطر.
الثاني مسح الجبيرة بالماء وهو واجب على الصحيح المشهور وحكي قول ووجه أنه لا يجب بل يكفي الغسل مع التيمم فعلى الصحيح إن كان جنبا مسح متى شاء وإن كان محدثا مسح إذا وصل إلى غسل العضو الذي عليه الجبيرة ويجب استيعاب الجبيرة بالمسح على الأصح كالوجه في التيمم.
وعلى الثاني يكفي ما يقع عليه الاسم كمسح الرأس والخف ولا تتقدر مدة المسح على الصحيح وعلى الثاني تتقدر ثلاثة أيام للمسافر وبيوم وليلة للحاضر والخلاف فيما إذا تأتى النزع بعد المدة المقدرة بلا ضرر فإن حصل ضرر لم يجب قطعا وإن تأتى في كل طهارة وجب النزع قطعاً.
الثالث التيمم في الوجه واليدين ففيه طريقان أصحهما على قولين أظهرهما يجب والثاني لا والطريق الثاني إن كان ما تحت الجبيرة عليلا بحيث لا يجب غسله لو ظهر لم يجب التيمم وإلا وجب وإذا وجب فلو كانت الجبيرة على موضع التيمم لم يجب مسحها بالتراب على الأصح ثم إن كان جنبا فالأصح أنه مخير إن شاء قدم غسل الصحيح على التيمم وإن شاء أخره وعلى الثاني يتعين تقديم الغسل وإن كان محدثا فثلاثة أوجه هذان الوجهان في الجنب والثالث وهو الأصح أنه لا ينتقل من عضو حتى يتم طهارته فعلى هذا إن كانت الجبيرة على الوجه وجب تقديم التيمم على غسل اليدين فإن شاء غسل صحيح الوجه ثم تيمم عن عليله وإن شاء عكس وإن كانت على اليدين وجب تقديم التيمم على مسح الرأس وتأخيره عن غسل الوجه ولو كان على عضوين أو ثلاثة جبائر تعدد التيمم فإن كانت على الوجه جبيرة وعلى اليد جبيرة غسل صحيح الوجه وتيمم عن عليله ثم اليد كذلك وعلى الوجه الأول والثاني يكفي تيمم واحد وإن تعددت الجبائر.
قلت ولو عمت الجراحات أعضاءه الأربعة قال القاضي أبو الطيب والأصحاب يكفيه تيمم واحد عن الجميع لأنه سقط الترتيب لسقوط الغسل قالوا ولو عمت الرأس ولم تعم الأعضاء الثلاثة وجب غسل صحيح الأعضاء وأربع تيممات على ما ذكرنا قال صاحب البحر فإذا تيمم في هذه الصورة أربع تيممات وصلى ثم حضرت فريضة أخرى أعاد التيممات الأربعة فلا يلزمه غسل صحيح الوجه ويعيد ما بعده وهذا الذي ذكره في الغسل فيه خلاف سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
قال صاحب البيان وإذا كانت الجراحة في يديه استحب أن تجعل كل يد كعضو فيغسل وجهه ثم صحيح اليمنى وتيمم عن جريحها ثم يطهر اليسرى غسلا وتيمما وكذا الرجلان وهذا حسن لأن تقديم اليمنى سنة فاذا اقتصر على تيمم فقد طهرهما دفعة والله أعلم.
ثم ما ذكرناه الأمور الثلاثة إنما يكفي بشرطين أحدهما أن لا يأخذ تحت الجبيرة من الصحيح إلا ما لا بد منه للاستمساك والثاني أن يضعها على طهر وفي وجه لا يشترط الوضع على طهر والصحيح اشتراطه فيجب النزع واستئناف الوضع على طهر إن أمكن وإلا فيترك ويجب القضاء بعد البرء على المذهب بخلاف الوضع على طهر على الأظهر هذا كله إذا لم يقدر على نزع الجبيرة عند الطهر فإن قدر بلا ضرر وجب النزع وغسل الصحيح إن أمكن ومسحه بالتيمم إن كان في موضع التيمم ولم يمكن غسله.
الحالة الثانية أن لا يحتاج إلى الجبيرة ويخاف من إيصال الماء فيغسل الصحيح بقدر الإمكان ويتلطف بوضع خرقة مبلولة ويتحامل عليها ليغسل بالمتقاطر باقي الصحيح ويلزمه ذلك بنفسه أو بأجرة كالأقطع وفي افتقاره إلى التيمم الخلاف السابق في الحالة الأولى ولا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن كان لا يخاف منه كذا قاله الأصحاب و للشافعي رضي الله عنه نص سياقه يقتضي الوجوب وإذا أوجبنا التيمم والعلة في محل التيمم أمر التراب عليه وكذا لو كان للجراحة أفواه منفتحة وأمكن إمرار التراب عليها وجب.
قلت هذا الذي ذكره الرافعي من ثبوت خلاف في وجوب التيمم غلط ولم أره لأحد من أصحابنا فكأنه اشتبه عليه فالصواب الجزم بوجوب التيمم في هذه الصورة لئلا يبقى موضع السبب السابع الجراحة اعلم أن الجراحة قد تحتاج إلى لصوق من خرقة وقطنة ونحوهما فيكون لها حكم الجبيرة في كل ما سبق وقد لا تحتاج فيجب غسل الصحيح والتيمم عن الجريح ولا يجب مسح الجريح بالماء ولا يجب وضع اللصوق أو الجبيرة عليه ليمسح عليها على الصحيح وقول الجمهور وأوجبه الشيخ أبو محمد ويقرب منه من هو متطهر وأرهقه حدث ومعه ماء يكفيه لما عدا رجليه ومعه خف فالصحيح الذي عليه الأصحاب أنه لا يلزمه لبس الخف وفيه احتمال لإمام الحرمين.
فرع إذا غسل الصحيح وتيمم لمرض أو كسر أو جرح مع المسح أو دونه إذا لم يكن وصلى فريضة بطهارته فله أن يصلي بها ما شاء من النوافل ولا بد من إعادة التيمم للفريضة الأخرى وهل يجب إعادة الوضوء إن كان محدثا أو الغسل إن كان جنبا فيه طريقان أصحهما لا يجب والثاني على قولين فإن قلنا بالأصح فليس على الجنب غير التيمم إلى أن يحدث وفي المحدث وجهان أحدهما كالجنب وأصحهما يجب أن يعيد مع التيمم كل عضو يجب ترتيبه على العضو المجروح.
قلت بل الأصح عند المحققين أنه كالجنب قال البغوي وغيره وإذا كان جنبا والجراحة في غير أعضاء الوضوء فغسل الصحيح وتيمم للجريح ثم أحدث قبل أن يصلي فريضة لزمه الوضوء ولا يلزمه التيمم لأن تيممه عن غير أعضاء الوضوء فلا يؤثر فيه الحدث ولو صلى فريضة ثم أحدث توضأ للنافلة ولا يتيمم وكذا حكم الفرائض كلها والله أعلم.
ولو تطهر العليل كما ذكرنا فبرأ وهو على طهارته غسل موضع العذر جنبا كان أو محدثا ويغسل المحدث ما بعد العليل بلا خلاف وفي استئنافهما الوضوء والغسل القولان في نازع الخف ولو تحقق البرء بعد الطهارة بطل تيممه ووجب غسل الموضع وحكم الاستئناف ما ذكرنا ولو توهم الاندمال فرفع اللصوق فرآه لم يندمل لم يبطل تيممه على الأصح بخلاف توهم وجود الماء فإنه يبطل التيمم لأن توهم الماء يوجب طلبه وتوهم الاندمال لا يوجب البحث عنه كذا قاله الأصحاب وتوقف إمام الحرمين في قولهم لا يجب البحث.
قلت قال أصحابنا ولا يجب أن يطلب من كل واحد من الرفقة بعينه بل ينادي فيهم من معه ماء من يجود بالماء ونحوه حتى قال البغوي وغيره لو قلت الرفقة لم يطلب من كل واحد بعينه ولو بعث النازلون ثقة يطلب لهم كفاهم كلهم والله أعلم.
ومتى عرف معهم ماء وجب استيهابه على الأصح هذا كله إذا لم يسبق منه تيمم وطلب فإن سبق نظر إن جرى أمر يحتمل بسببه حصول ماء بأن انتقل من موضعه أو طلع ركب أو سحابة وجب الطلب أيضاً لكن كل موضع تيقن بالطلب الأول أن لا ماء فيه ولم يحتمل حدوثه فيه لم يجب الطلب منه على المذهب وإن لم يجر الأمر المذكور نظر فإن كان تيقن عدم الماء لم يجب على الأصح وإن كان ظنه وجب على الأصح لكنه أخف طلبا من الأول وسواء في هذا كله تخلل بين التيممين زمن طويل أو قصير أو لم يتخلل.
الحالة الثالثة أن يتيقن وجود الماء حواليه وله ثلاث مراتب.
الأولى أن يكون على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي فيجب السعي إليه ولا يجوز التيمم وهذا فوق حد الغوث الذي يقصده عند التوهم قال محمد بن يحيى لعله يقرب المرتبة الثانية أن يكون بعيدا بحيث لو سعى إليه فاته فرض الوقت فيتيمم على المذهب بخلاف ما إذا كان واجدا للماء وخاف فوت الوقت لو توضأ فإنه لا يجوز التيمم على المذهب وفي التهذيب وجه شاذ أنه يتيمم ويصلي في الوقت ثم يتوضأ ويعيد وليس بشيء ثم الأشبه بكلام الأئمة أن الاعتبار في هذه المسافة من أول وقت الصلاة الحاضرة لو كان نازلا في ذلك الموضع ولا بأس باختلاف المواقيت في الطول والقصر ولا باختلاف المسافة في السهولة والصعوبة فإن كان التيمم لفائتة أو نافلة اعتبر بوقت الفريضة الحاضرة وعلى هذا لو انتهى إلى المنزل في آخر الوقت والماء في حد القرب وجب قصده والوضوء وإن فات الوقت كما لو كان الماء في رحله فإنه يتوضأ وإن فات الوقت.
قلت هذ الذي ذكره الإمام الرافعي ونقله عن مقتضى كلام الأصحاب من اعتبار أول الوقت ليس كما قاله بل الظاهر من عباراتهم أن الاعتبار بوقت الطلب هذا هو المفهوم من كتبهم المشهورة والمهجورة وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله في الأم وغيره فإن عبارته وعبارتهم وإن دل على ماء ولم يخف فوت الوقت ولا ضررا لزمه طلبه هذا نصه ونصهم وهو صريح أو كالصريح فيما قلته وقد تتبعت ذلك وأتقنته والله أعلم.
المرتبة الثالثة أن يكون بين المرتبتين فيزيد على ما ينتشر إليه النازلون ويقصر عن خروج الوقت فهل يجب قصده أم يجوز التيمم نص الشافعي رحمه الله أنه إن كان على يمين المنزل أو يساره وجب وإن كان صوب مقصده لم يجب فقيل بظاهر النصين وقيل فيهما قولان والمذهب جواز التيمم وإن علم وصوله إلى الماء في آخر الوقت وإذا جاز ذلك للسائر إلى جهة الماء فالنازل الذي عن يمينه أو يساره أولى والسائر وهو على يمينه أو يساره أولى هذا في المسافر أما المقيم فلا يجوز له التيمم وإن خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء لأنه لا بد له من القضاء ثم إذا قلنا في المسافر بالمذهب وهو جواز التيمم مطلقا فإن تيقن وجود الماء آخر الوقت فالأفضل تأخير الصلاة ليؤديها بالوضوء وفي التتمة وجه شاذ أن تقديمها بالتيمم أفضل لفضيلة أول الوقت وإن لم يتيقن الماء ولكن رجا فقولان أظهرهما التقديم أفضل وموضع القولين إذا اقتصر على صلاة واحدة أما إذا صلى بالتيمم أول الوقت وبالوضوء مرة أخرى آخره فهو النهاية في إحراز الفضيلة وإن ظن عدم الماء أو تساوى احتمال وجوده وعدمه فالتقديم أفضل قطعا وربما وقع في كلام بعضهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود ولا وثوق بهذا النقل.
قلت قد صرح الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والمحاملي وآخرون بجريان القولين فيما إذا تساوى الاحتمال والله أعلم.
أما تعجيل المتوضىء وغيره الصلاة في أول الوقت منفردا وتأخيرها لانتظار الجماعة ففيه ثلاثة قلت قطع معظم العراقيين بأن التأخير للجماعة أفضل ومعظم الخراسانيين بأن التقديم منفردا أفضل وقال جماعة هو كالتيمم فإن تيقن الجماعة آخر الوقت فالتأخير أفضل وإن ظن عدمها فالتقديم أفضل وإن رجاها فقولان وينبغي أن يتوسط فيقال إن فحش التأخير فالتقديم أفضل وإن خف فالتأخير أفضل وموضع الخلاف إذا اقتصر على صلاة فأما إذا صلى أول الوقت منفردا وآخره مع الجماعة فهو النهاية في الفضيلة وقد جاء به الحديث في صحيح مسلم وغيره.
قال صاحب البيان قال أصحابنا والقولان في التيمم يجريان في مريض عجز عن القيام ورجاه آخر الوقت أو رجا العريان السترة آخره هل الأفضل تقديم الصلاة على حالهما أم التأخير قال ولا يترك الترخص بالقصر في السفر وإن علم إقامته آخر الوقت بلا خلاف قال قال صاحب الفروع إن خاف فوت الجماعة لو أكمل الوضوء فإدراكها أولى من الانحباس لإكماله وفي هذا نظر والله أعلم.
الحالة الرابعة أن يكون الماء حاضرا بأن يزدحم مسافرون على بئر لا يمكن أن يستقي منها إلا واحد بعد واحد لضيق الموقف أو اتحاد الآلة فإن توقع حصول نوبته قبل خروج الوقت لم يجز التيمم وإن علم أنها لا تحصل إلا بعد الوقت فنص الشافعي رحمه الله أنه يجب الصبر ليتوضأ ونص في عراة معهم ثوب واحد يتناوبونه أنه يصبر ليستر عورته ويصلي بعد الوقت ونص في جماعة في موضع ضيق لا يمكن أن يصلي فيه قائما إلا واحد أنه يصلي في الوقت قاعدا إذا علم أن نوبته لا تحصل إلا بعد الوقت وهذا يخالف النصين في المسألتين السابقتين فالأصح ما قاله أبو زيد وغيره أن في الجميع قولين أحدهما يصلي في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا لحرمة الوقت والثاني يصبر للقدرة والطريق الثاني تقرير النصين فيصبر للوضوء واللبس دون القيام لسهولة أمره.
وقال كثيرون لا نص في مسألة البئر ونص في الأخريين على ما سبق وألحقوا الوضوء بالقيام لحصول بدلهما فقالوا يتيمم في الوقت ويصلي وأجرى إمام الحرمين والغزالي هذا الخلاف فيما إذا لاح للمسافر الماء ولا عائق دونه ولكن ضاق الوقت وعلم أنه لو اشتغل به فاته الوقت وهذا يقتضي إثبات الخلاف في المرتبة الثانية من الحالة الثالثة وقد أشرنا إليه هناك.
قلت الأصح من الطريقين إجراء القولين في الجميع وأظهرهما يصلي في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا ولا إعادة على المذهب في التهذيب في وجوب الإعادة قولان والله أعلم.
إذا وجد الجنب أو المحدث ما لا يكفيه لطهارته وجب استعماله على الأظهر ثم يجب التيمم بعده للباقي فيغسل المحدث وجهه ثم يديه على الترتيب ويغسل الجنب من جسده ما شاء والأولى أعضاء الوضوء فإن كان محدثا جنبا ووجد ما يكفي الوضوء وحده فإن قلنا بالمذهب أنه يدخل الأصغر في الأكبر فهو كالجنب المحض وإن قلنا لا يدخل توضأ به عن الأصغر وتيمم عن الجنابة يقدم أيهما شاء هذا كله إذا صلح الموجود للغسل فإن لم يجد المحدث إلا ثلجا أو بردا لا يقدر على إذابته لم يجب استعماله على المذهب وقيل فيه القولان فإن أوجبنا تيمم عن الوجه واليدين ثم مسح به الرأس ثم تيمم للرجلين هذا كله إذا وجد ترابا فإن لم يجده وجب استعمال الناقص على المذهب وقيل فيه القولان.
قلت ولو لم يجد إلا ترابا لا يكفيه للوجه واليدين وجب استعماله على المذهب وقيل فيه القولان ولو لم يجد ماء ووجد ما يشتري به بعض ما يكفيه من الماء ففي وجوبه القولان فإن لم يجد ماء ولا ترابا ففي وجوب شراء بعض ما يكفي من الماء الطريقان ولو تيمم ثم رأى ما لا يكفيه فإنه احتمل عنده أنه يكفيه بطل تيممه وإن علم بمجرد رؤيته أنه لا يكفيه فعلى القولين في استعماله إن أوجبناه بطل وإلا فلا ولو كان عليه نجاسات ووجد ما يغسل بعضها وجب على المذهب ولو كان جنبا أو محدثا أو حائضا وعلى بدنه نجاسة ووجد ما يكفي أحدهما تعين للنجاسة فيغسلها ثم يتيمم فلو تيمم ثم غسلها جاز على الأصح وبقيت لهذه المسألة فروع استقصيتها في شرحي المهذب والتنبيه والله أعلم.
إذا كان معه ماء يصلح لطهارته فأتلفه بإراقة أو شرب أو تنجيس تيمم قطعا ثم إن كان الإتلاف قبل الوقت مطلقا أو بعده لغرض كشرب للحاجة أو غسل ثوب للنظافة أو تبرد أو اشتبه الإناآن واجتهد ولم يظهر له شيء فأراقهما أو صب أحدهما في الآخر فلا إعادة عليه وإن كان بعد الوقت لغير غرض فلا إعادة أيضاً على الأصح لفقده وقيل يجب لعصيانه قطعا ولو اجتاز بماء في الوقت فلم يتوضأ فلما بعد منه صلى بالتيمم لم يعد على المذهب وقيل فيه الوجهان وهو شاذ ولو وهب الماء في الوقت أو باعه من غير حاجة للمتهب والمشتري كعطش ونحوه ولا حاجة للبائع إلى ثمنه ففي صحة البيع والهبة وجهان الأصح لا يصحان فإن صح فحكمه في القضاء حكم الإراقة وإن لم يصح لم يصح تيممه ما دام الماء في يد المبتاع والموهوب له وعليه الإسترداد فإن لم يقدر وتيمم وجب القضاء وإن أتلف في يده فهو كالإراقة ثم في المقضي في الصور ثلاثة أوجه الأصح تقضى الصلاة التي فوت الماء في وقتها والثاني تقضى أغلب ما يؤديه بوضوء واحد والثالث تقضى كل صلاة صلاها بالتيمم.
قلت وإذا وجب القضاء لا يصح في الوقت بالتيمم بل يؤخره إلى وجود الماء أو حالة يسقط الفرض فيها بالتيمم.
قال أصحابنا وإذا قلنا لا يصح هبة هذا الماء وتلف في يد الموهوب له فلا ضمان عليه على السبب الثاني الخوف على نفسه أو ماله فإذا كان بقربه ما يخاف من قصده على نفسه أو عضوه من سبع أو عدو أو على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاصب أو سارق أو كان في سفينة وخاف لو استقى من البحر فله التيمم ولو خاف من قصده الانقطاع عن رفقته تيمم إن كان عليه منه ضرر وكذا إن لم يكن ضرر على الأصح ولو وهب الماء لعادمه وجب قبوله على الصحيح ولو أعير الدلو والرشاء وجب قبوله قطعاً.
وقيل إن زادت قيمة المستعار على ثمن الماء لم يجب قبوله ولو أقرض الماء وجب قبوله على الصحيح ولو وهب له أجنبي ثمن الماء أو آلة الاستقاء لم يجب قبوله وكذا لو وهبه الأب أو الابن على الصحيح ولو أقرض ثمن الماء وهو معسر لم يجب قبوله وكذا إن كان موسرا بمال غائب على الأصح ولو بيع الماء بنسيئة وهو معسر لم يجب قبوله وإن كان موسرا وجب على الصحيح.
قلت وصورة المسألة أن يكون الأجل ممتدا إلى أن يصل إلى بلد ماله والله أعلم.
ولو وجد ثمن الماء واحتاج إليه لدين مستغرق أو نفقة حيوان محترم معه أو لمؤنة من مؤن سفره في ذهابه وإيابه لم يجب شراؤه وإن فضل عن هذا كله وجب الشراء إن بيع بثمن المثل ويصرف إليه أي نوع كان معه من المال وإن بيع بزيادة لم يجب الشراء وإن قلت الزيادة وقيل إن كانت مما يتغابن بمثلها وجب وهو ضعيف وإن بيع نسيئة وزيد بسبب الأجل ما يليق وفي ضبط ثمن المثل أوجه الأصح أنه ثمنه في ذلك الموضع وتلك الحالة والثاني ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات والثالث أنه قدر أجرة نقله إلى ذلك الموضع وهو ضعيف ولم يتقدم الغزالي أحد باختياره إياه ولو بيع آلة الاستقاء أو أجرها بثمن المثل وأجرته وجب القبول فإن زاد لم يجب كذا قاله الأصحاب ولو قيل يجب التحصيل ما لم يجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان حسنا ولو لم يجد إلا ثوبا وقدر على شده في الدلو ليستقي لزمه ذلك فلو لم يكن دلو وأمكن إدلاؤه في البئر ليبتل ويعصر ما يوضئه لزمه فلو لم يصل الماء وأمكن شقه وشد بعضه ببعض لزمه هذا كله إذا لم يحصل في الثوب نقص يزيد على أكثر الأمرين ثمن الماء وأجرة الحبل.
السبب الثالث الحاجة إلى الماء لعطش ونحوه فيه مسائل أحدها إذا وجد ماء واحتاج إليه لعطشه أو عطش رفيقه أو حيوان محترم في الحال أو في المآل بعوض أو بغيره جاز التيمم وذكر إمام الحرمين والغزالي ترددا في التزود لعطش رفيقه والمذهب القطع بجوازه وضبط الحاجة يقاس بما سيأتي في المرض المبيح إن شاء الله تعالى وللعطشان أن يأخذه من صاحبه قهرا إذا لم يبذله وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير والكلب العقور وسائر الفواسق الخمس وما في معناها ولا يكلف أن يتوضأ بالماء ثم يجمعه ويشربه على المذهب قال أبو علي الزجاجي بضم الزاي والماوردي وآخرون من كان معه ماءان طاهر ونجس قلت ذكر الشاشي كلام الماوردي هذا ثم أنكره واختار أنه يشرب الطاهر ويتيمم وهذا هو الصحيح وهذا الخلاف فيما بعد دخول الوقت أما قبله فيشرب الطاهر بلا خلاف صرح به الماوردي وغيره قال المتولي ولو كان يرجو وجود الماء في غده ولا يتحققه فهل له التزود وجهان الأصح جوازه والله أعلم.
المسألة الثانية قال الشافعي رحمه الله إذا مات رجل له ماء ورفقته عطاش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه وصورة المسألة أنهم رجعوا إلى البلد وأراد بالثمن القيمة موضع الإتلاف ووقته وقيل أراد مثل القيمة.
الثالثة إذا أوصى أو وكل بصرف ماء إلى أولى الناس به فحضر ميت وجنب وحائض ومن على بدنه نجاسة ومحدث فالميت وصاحب النجاسة أولاهم والميت أولاهما على الأصح فلو كان على الميت أيضاً نجاسة فهو أولى قطعا ولا يشترط لاستحقاق الميت قبول وارث كما لو تطوع انسان بكفنه وفيه وجه شاذ أنه يشترط ولو مات اثنان أحدهما قبل الآخر وكان قبل موتهما ماء يكفي أحدهما فالأول أولى فإن ماتا معا أو وجد الماء بعد موتهما فأفضلهما أولى فإن استويا أقرع بينهما أما إذا اجتمع الجنب والحائض فثلاثة أوجه الأصح الحائض أولى والثاني الجنب والثالث سواء فعلى هذا إن طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة فإن لم نوجب استعمال الناقص أقرع وإن أوجبناه أقرع على الأصح وعلى الثاني يقسم وإن اتفقا على القسمة جاز إن أوجبنا استعمال الناقص وإلا فلا ولو اجتمع جنب ومحدث فإن كان الماء يكفي للوضوء دون الغسل فالمحدث أولى إن لم نوجب استعمال الناقص وإن أوجبناه فأوجه الأصح المحدث أولى والثاني الجنب والثالث سواء وإن لم يكف واحدا منهما فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله وإلا فهو كالمعدوم وإن كفى وفضل عن الوضوء شيء دون الغسل فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص وإن أوجبناه فعلى الأوجه الثلاثة أصحها الجنب أولى وإن فضل عن كل واحد أو لم يفضل عن واحد أو كفى الجنب دون المحدث فالجنب أولى قطعاً.
ولو انتهى هؤلاء المحتاجون إلى ماء مباح واستووا في إحرازه وإثبات اليد عليه ملكوه بالسوية ولا يجوز لأحد أن يبذل نصيبه لغيره وإن كان أحوج منه وإن كان ناقصا إلا إذا قلنا لا يجب استعمال الناقص كذا قاله إمام الحرمين والغزالي وقال أكثر الأصحاب إن المستحب تقديم الأحوج فالأحوج كالوصية ولا منافاة بين الكلامين وأراد الأصحاب أن المستحب تقديم الأحوج وأنهم لو تنازعوا كان كما قاله إمام الحرمين ويمكن أن ينازعهم في الاستحباب ويقول لا يجوز العدول عن ماء يتمكن منه للطهارة.
السبب الرابع العجز بسبب الجهل هذا قد جعله الغزالي سببا ولقائل أن يقول ليس هو سببا فإن السبب هو ظن العدم وذلك موجود وأما قضاء الصلاة فأمر آخر واللائق ذكره في آخر سبب الفقد أو فيما يقضى من الصلوات.
قلت بل له هنا وجه ظاهر فإن من جملة صوره إذا أضل راحلته أو ماءه فهذا من وجه كالواجد فيتوهم أنه لا يجوز له التيمم ومن وجه عادم فلهذا ذكره الغزالي في الأسباب المبيحة للاقدام على التيمم والله أعلم.
وفيه مسائل: الأولى لو نسي الماء في رحله أو علم موضع نزوله بئرا فنسيها وصلى بالتيمم فطريقان أحدهما تجب الإعادة قطعا وأصحهما على القولين الجديد المشهور وجوبها كنسيان عضو الطهارة وساتر العورة ولو نسي ثمن الماء فكنسيان الماء وقيل يحتمل غيره.
الثانية لو أدرج في رحله ماء لم يعلم به فتيمم وصلى ثم علم أو تيمم ثم علم بقربه بئرا لم يكن علمها فطريقان أحدهما لا إعادة وأصحهما على قولين أظهرهما لا إعادة.
الثالثة لو أضل الماء في رحله وصلى بالتيمم إن لم يمعن في الطلب وجبت الإعادة وإن أمعن حتى ظن العدم وجبت أيضاً على الأظهر وقيل الأصح.
الرابعة أضل رحله في الرحال إن لم يمعن في الطلب أعاد وإن أمعن فالمذهب أنه لا إعادة السبب الخامس المرض وهو ثلاثة أقسام.
الأول ما يخاف معه من الوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو منفعة عضو فبيح التيمم ولو خاف مرضا مخوفا تيمم على المذهب.
الثاني أن يخاف زيادة العلة وهو كثرة ألم وإن لم تزد المدة أو يخاف بطء البرء وهو طول مدة المرض وإن لم يزد الألم أو يخاف شدة الضنا وهو المرض المدنف الذي يجعله زمنا أو يخاف حصول شين قبيح كالسواد على عضو ظاهر كالوجه وغيره مما يبدو في حال المهنة ففي الجميع ثلاث طرق أصحها في المسألة قولان أظهرهما جواز التيمم والثاني لا يجوز قطعاً.
والثالث يجوز قطعا الثالث أن يخاف شيئا يسيرا كأثر الجدري وسواد قليل أو شينا قبيحا على غير الأعضاء الظاهرة أو يكون به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة وإن كان يتألم في الحال بجراحة أو برد أو حر فلا يجوز التيمم لشيء من هذا بلا خلاف.
فرع يجوز أن يعتمد في كون المرض مرخصا على معرفة نفسه إن كان عارفا ويجوز اعتماد طبيب حاذق بشرط الاسلام والبلوغ والعدالة ويعتمد العبد والمرأة ولنا وجه شاذ أنه يعتمد الصبي فرع إذا عمت العلة أعضاء الطهارة اقتصر على التيمم وإن كانت في البعض غسل الصحيح وفي العليل كلام مذكور في الجريح.
قلت وإذا لم يوجد طبيب بشرطه قال أبو علي السبخي لا يتيمم ولا فرق في هذا السبب بين الحاضر والمسافر والحدث الأصغر والأكبر ولا إعادة فيه والله أعلم.
السبب السادس إلقاء الجبيرة وهي تكون لكسر أو انخلاع وتارة يحتاج إلى الجبيرة على الكسر أو الانخلاع وتارة لا يحتاج ويعتبر في الحاجة ما تقدم في المرض.
فالحالة الأولى إذا احتاج ووضع الجبيرة فإما أن يقدر على نزعها عند الطهارة من غير ضرر من الأمور المتقدمة في المرض وإما أن لا يقدر فإن لم يقدر لم يكلف النزع ويراعي في طهارته أمورا .
الأول غسل الصحيح وهو واجب على المذهب وقيل قولان فعلى المذهب يجب غسل ما يمكن حتى ما تحت أطراف الجبيرة من الصحيح بأن يضع خرقة مبلولة عليها ويعصرها لتغسل تلك المواضع بالمتقاطر.
الثاني مسح الجبيرة بالماء وهو واجب على الصحيح المشهور وحكي قول ووجه أنه لا يجب بل يكفي الغسل مع التيمم فعلى الصحيح إن كان جنبا مسح متى شاء وإن كان محدثا مسح إذا وصل إلى غسل العضو الذي عليه الجبيرة ويجب استيعاب الجبيرة بالمسح على الأصح كالوجه في التيمم.
وعلى الثاني يكفي ما يقع عليه الاسم كمسح الرأس والخف ولا تتقدر مدة المسح على الصحيح وعلى الثاني تتقدر ثلاثة أيام للمسافر وبيوم وليلة للحاضر والخلاف فيما إذا تأتى النزع بعد المدة المقدرة بلا ضرر فإن حصل ضرر لم يجب قطعا وإن تأتى في كل طهارة وجب النزع قطعاً.
الثالث التيمم في الوجه واليدين ففيه طريقان أصحهما على قولين أظهرهما يجب والثاني لا والطريق الثاني إن كان ما تحت الجبيرة عليلا بحيث لا يجب غسله لو ظهر لم يجب التيمم وإلا وجب وإذا وجب فلو كانت الجبيرة على موضع التيمم لم يجب مسحها بالتراب على الأصح ثم إن كان جنبا فالأصح أنه مخير إن شاء قدم غسل الصحيح على التيمم وإن شاء أخره وعلى الثاني يتعين تقديم الغسل وإن كان محدثا فثلاثة أوجه هذان الوجهان في الجنب والثالث وهو الأصح أنه لا ينتقل من عضو حتى يتم طهارته فعلى هذا إن كانت الجبيرة على الوجه وجب تقديم التيمم على غسل اليدين فإن شاء غسل صحيح الوجه ثم تيمم عن عليله وإن شاء عكس وإن كانت على اليدين وجب تقديم التيمم على مسح الرأس وتأخيره عن غسل الوجه ولو كان على عضوين أو ثلاثة جبائر تعدد التيمم فإن كانت على الوجه جبيرة وعلى اليد جبيرة غسل صحيح الوجه وتيمم عن عليله ثم اليد كذلك وعلى الوجه الأول والثاني يكفي تيمم واحد وإن تعددت الجبائر.
قلت ولو عمت الجراحات أعضاءه الأربعة قال القاضي أبو الطيب والأصحاب يكفيه تيمم واحد عن الجميع لأنه سقط الترتيب لسقوط الغسل قالوا ولو عمت الرأس ولم تعم الأعضاء الثلاثة وجب غسل صحيح الأعضاء وأربع تيممات على ما ذكرنا قال صاحب البحر فإذا تيمم في هذه الصورة أربع تيممات وصلى ثم حضرت فريضة أخرى أعاد التيممات الأربعة فلا يلزمه غسل صحيح الوجه ويعيد ما بعده وهذا الذي ذكره في الغسل فيه خلاف سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
قال صاحب البيان وإذا كانت الجراحة في يديه استحب أن تجعل كل يد كعضو فيغسل وجهه ثم صحيح اليمنى وتيمم عن جريحها ثم يطهر اليسرى غسلا وتيمما وكذا الرجلان وهذا حسن لأن تقديم اليمنى سنة فاذا اقتصر على تيمم فقد طهرهما دفعة والله أعلم.
ثم ما ذكرناه الأمور الثلاثة إنما يكفي بشرطين أحدهما أن لا يأخذ تحت الجبيرة من الصحيح إلا ما لا بد منه للاستمساك والثاني أن يضعها على طهر وفي وجه لا يشترط الوضع على طهر والصحيح اشتراطه فيجب النزع واستئناف الوضع على طهر إن أمكن وإلا فيترك ويجب القضاء بعد البرء على المذهب بخلاف الوضع على طهر على الأظهر هذا كله إذا لم يقدر على نزع الجبيرة عند الطهر فإن قدر بلا ضرر وجب النزع وغسل الصحيح إن أمكن ومسحه بالتيمم إن كان في موضع التيمم ولم يمكن غسله.
الحالة الثانية أن لا يحتاج إلى الجبيرة ويخاف من إيصال الماء فيغسل الصحيح بقدر الإمكان ويتلطف بوضع خرقة مبلولة ويتحامل عليها ليغسل بالمتقاطر باقي الصحيح ويلزمه ذلك بنفسه أو بأجرة كالأقطع وفي افتقاره إلى التيمم الخلاف السابق في الحالة الأولى ولا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن كان لا يخاف منه كذا قاله الأصحاب و للشافعي رضي الله عنه نص سياقه يقتضي الوجوب وإذا أوجبنا التيمم والعلة في محل التيمم أمر التراب عليه وكذا لو كان للجراحة أفواه منفتحة وأمكن إمرار التراب عليها وجب.
قلت هذا الذي ذكره الرافعي من ثبوت خلاف في وجوب التيمم غلط ولم أره لأحد من أصحابنا فكأنه اشتبه عليه فالصواب الجزم بوجوب التيمم في هذه الصورة لئلا يبقى موضع السبب السابع الجراحة اعلم أن الجراحة قد تحتاج إلى لصوق من خرقة وقطنة ونحوهما فيكون لها حكم الجبيرة في كل ما سبق وقد لا تحتاج فيجب غسل الصحيح والتيمم عن الجريح ولا يجب مسح الجريح بالماء ولا يجب وضع اللصوق أو الجبيرة عليه ليمسح عليها على الصحيح وقول الجمهور وأوجبه الشيخ أبو محمد ويقرب منه من هو متطهر وأرهقه حدث ومعه ماء يكفيه لما عدا رجليه ومعه خف فالصحيح الذي عليه الأصحاب أنه لا يلزمه لبس الخف وفيه احتمال لإمام الحرمين.
فرع إذا غسل الصحيح وتيمم لمرض أو كسر أو جرح مع المسح أو دونه إذا لم يكن وصلى فريضة بطهارته فله أن يصلي بها ما شاء من النوافل ولا بد من إعادة التيمم للفريضة الأخرى وهل يجب إعادة الوضوء إن كان محدثا أو الغسل إن كان جنبا فيه طريقان أصحهما لا يجب والثاني على قولين فإن قلنا بالأصح فليس على الجنب غير التيمم إلى أن يحدث وفي المحدث وجهان أحدهما كالجنب وأصحهما يجب أن يعيد مع التيمم كل عضو يجب ترتيبه على العضو المجروح.
قلت بل الأصح عند المحققين أنه كالجنب قال البغوي وغيره وإذا كان جنبا والجراحة في غير أعضاء الوضوء فغسل الصحيح وتيمم للجريح ثم أحدث قبل أن يصلي فريضة لزمه الوضوء ولا يلزمه التيمم لأن تيممه عن غير أعضاء الوضوء فلا يؤثر فيه الحدث ولو صلى فريضة ثم أحدث توضأ للنافلة ولا يتيمم وكذا حكم الفرائض كلها والله أعلم.
ولو تطهر العليل كما ذكرنا فبرأ وهو على طهارته غسل موضع العذر جنبا كان أو محدثا ويغسل المحدث ما بعد العليل بلا خلاف وفي استئنافهما الوضوء والغسل القولان في نازع الخف ولو تحقق البرء بعد الطهارة بطل تيممه ووجب غسل الموضع وحكم الاستئناف ما ذكرنا ولو توهم الاندمال فرفع اللصوق فرآه لم يندمل لم يبطل تيممه على الأصح بخلاف توهم وجود الماء فإنه يبطل التيمم لأن توهم الماء يوجب طلبه وتوهم الاندمال لا يوجب البحث عنه كذا قاله الأصحاب وتوقف إمام الحرمين في قولهم لا يجب البحث.