إن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم يتجلى في الآية الكريمة
:{فّمّن يٍرٌدٌ اللَّهٍ أّن يّهًدٌيّهٍ يّشًرّحً صّدًرّهٍ لٌلإسًلامٌ ومّن يٍرٌدً أّن يٍضٌلَّهٍ يّجًعّلً صّدًرّهٍ ضّيٌَقْا حّرّجْا كّأّّنَّمّا يّصَّعَّدٍ فٌي السَّمّاءٌ كّذّلٌكّ يّجًعّلٍ اللَّهٍ الرٌَجًسّ عّلّى الذٌينّ لا يٍؤًمٌنٍونّ} (الأنعام:125).
بدأت منذ حوالي مائتي عام تقريباً ( 1786 م) أبحاث كثيرة في طبقات الجو العليا ، وتأثيرها على الإنسان .
ومن حوالي مائة عام تقريباً ( 1878 م ) ظهرت أبحاث أكثر تقدماً في (فسيولوجيا) الجسم ، وتأثره في طبقات الجو العليا .
وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم الذي نزل منذ أكثر من أربعة عشر قرناً على نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد قوله تعالى
:{فّمّن يٍرٌدٌ اللَّهٍ أّن يّهًدٌيّهٍ يّشًرّحً صّدًرّهٍ لٌلإسًلامٌ ومّن يٍرٌدً أّن يٍضٌلَّهٍ يّجًعّلً صّدًرّهٍ ضّيٌَقْا حّرّجْا كّأّّنَّمّا يّصَّعَّدٍ فٌي السَّمّاءٌ} (الأنعام:125)
قد تضمن الحقائق التي أثبتتها هذه الأبحاث في إيجاز وإعجاز (1).
والقرآن الكريم قد حث على العلم، فأول آية نزلت فيه تدعو للعلم ، فقد جاء فيها الأمر بالقراء ة ،
ثم الدعوة للتعلم بالقلم ، قال تعالى
: {اقًرأً بٌاسًمٌ رّبٌَكّ الذٌي خّلّقّ (1) خّلّقّ الإنسّانّ مٌنً عّلّقُ (2) \قًرّأً ورّبٍَكّ الأّكًرّمٍ (3) الذٌي عّلَّمّ بٌالًقّلّمٌ (4) عّلَّمّ الإنسّانّ مّا لّمً يّعًلّمً (5)} [العلق]
.وفي طب الطيران والفضاء نجد بيانا واضحاً للآية الكريمة السابقة، من خلال عرض مبسط لتكوين
الغلاف الجوي وطبقاته وتأثيره (فسيولوجيا) على الإنسان
تكوين الغلاف الجوي وتقسيمه « فسيولوجياً » :
1 . منطقة كافية « فسيولوجيا » ( من سطح البحر إلى ارتفاع 10000 قدم ( :
يستطيع الإنسان في هذه المنطقة من الغلاف الجوي أن يعيش طبيعياً، فكمية الأوكسجين
الموجودة تكفي
« فسيولوجياً » لحياة الإنسان.
2 . منطقة غير كافية « فسيولوجياً » ( من ارتفاع 10000 قدم إلى 50000 قدم ):
حيث لاحظ العلماء أنه يوجد نقص في كمية الأوكسجين في هذه المنطقة ،
بالإضافة إلى
الانخفاض في الضغط الجوي ، وينتج عن ذلك آثار واضحة على «فسيولوجيا» جسم الإنسان
، فتظهر أعراض نقصان الأوكسجين (هيبوكسيا) وأعراض انخفاض الضغط الجوي
(ديسباريزم ) .
3 . منطقة الفضاء التقريبي ( من ارتفاع 50 ألف قدم إلى حوالي 633 ألف قدم ):
حيث لايمكن للإنسان من الناحية « الفسيولوجية » أن يعيش في ارتفاع ( 50000 قدم) فأكثر
، حتى لو تنفس 100% أوكسجين، بل لابد له أن يرتدي ملابس الفضاء المجهزة ،
لكي يتحمل الانخفاض في الضغط الجوي ، ونقص الأوكسجين في هذه الارتفاعات.
ظــاهرة نقصان « الأوكسجين » ( هيبوكسيا) :
تحدث هذه الظاهرة لراكب الطائرة بسبب نقصان الأوكسجين في الأنسجة عند فشل الأجهزة
في ضبط الضغط داخل الطائرة حينما تكون في الارتفاعات العالية ،
ويعبر عن هذا بانخفاض الضغط الجوي للأكسجين،
حيث تنخفض كمية الأوكسجين في الهواء المستنشق ، ولا تنضبط كميته .
ويتركب الهواء المستنشق من الآتي :
95ر20% غاز أوكسيجين .
09ر78% غاز نيتروجين.
03ر00% غاز ثاني أوكسيد الكربون .
الباقي: غازات غير هامة بالنسبة لوظائف الجسم .
في هذا الخليط من الغازات - الهواء المستنشق - من المستحسن أن نتكلم عن الضغط الجوي
للغاز ، وهو العامل المؤثر لأي غاز في خليط من الغازات ،
والضغط الجوي للأوكسجين في الحويصلات الهوائية هو العامل المؤثر الأساسي في الجسم،
لأنه هو العامل الذي يتحكم في كمية الأوكسجين التي تصل إلى الدم .
ويجب أن نعلم أنه من الثابت علميا: كلما ارتفعنا في الجو كلما قل الضغط الجوي
وبالتالي الضغط الجوي للأوكسجين ، لذلك إذا استنشق أوكسجين نقي 100%
على ارتفاع (33700 قدم) فإن الضغط الجوي للأوكسجين في الحويصلات
الهوائية يمثل نفس النسبة، كما لو استنشق الهواء على مستوى سطح البحر .
عندما نصل إلى ارتفاعات (40000 قدم) فإن الضغط الجوي للأوكسيجين يهبط بسرعة
إلى مستوى يشكل خطورة على الحياة، ولا يدع أجهزة الجسم المختلفة
في حالتها الطبيعية.
والارتفاع الحرج الذي يهبط فيه الضغط إلى 87مم/زئبق هو 50000 قدم،
وهنا حتى لو تم استنشاق الأوكسيجين 100% فإنه لا يفي بتاتا بحاجة
الجسم من الأوكسيجين
. (شكل 2).
مراحل أعراض ظاهرة نقص الأوكسجين :
وتنقسم إلى أربعة مراحل تتعلق بالضغط الجوي، ومستوى الارتفاع، ونسبة تركيز الأوكسيجين في الدم.
1 . مرحلة عدم الـتـغيير(من مســتوى ســطــح الـبـحـر إلى ارتفاع 10000 قـدم ) في هذه المرحلة لاتوجد أعراض ظاهرة لنقص الأوكسجين ولاتتأثر الرؤية بالنهار.
2 . مرحلة التكافؤ « الفسيولوجي » ( من ارتفاع 10000 قدم إلى 16000 قدم ).
تعمل أجهزة التكافؤ « الفسيولوجي » في هذه المرحلة على عدم ظهور أعراض نقص
الأوكسجين ، إلا إذا طالت مدة التعرض لهذا النقص ، أو قام الفرد بمجهود جسماني
في هذه الظروف فتبدأ عملية التنفس في الازدياد عدداً وعمقاً،
ويزيد النبض وضغط الدم ، وكذلك سرعة الدورة الدموية .
3 . مرحلة الاختلال « الفسيولوجي » (من ارتفاع 16000 قدم إلى 25000 قدم ).
في هذه المرحلة لاتفي أجهزة التكافؤ «الفسيولوجي » بالمطلوب ، ولاتستطيع توريد
الكمية الكافية من « الأوكسجين» للأنسجة ، وهنا يبدأ ظهور الأعراض.
وفي هذه المرحلة نجد تفسيراً واضحاً لضيق الصدر الذي يشعر به الإنسان عندما يصعد
إلى هذه الارتفاعات، وهو بيان يتفق مع ما تشير إليه الآية الكريمة من شعور
الإنسان بضيق الصدر عندما {يصّعد في السماء} أي: في طبقات الجو العليا .
إن الآية الكريمة ذكرت أن ضيقا يحدث بالصدر عند الصعود في السماء ،
أي : الارتفاعات العالية ، وقد وجد الأطباء في أبحاثهم على الطيارين أن الإنسان
يشكو في هذه المرحلة من الإجهاد والصداع، والشعور بالرغبة في النوم،
وصعوبة التنفس ، وضيق الصدر ، وهذا يتفق مع ما ورد في الآية الكريمة .
إن قوله تعالى :
{... يجعلْ صدره ضيقاً }
يقدم لنا - بإشارة دقيقة ، وكلمات معجزة - شرحاً لما يحدث «فسيولوجياً»
للإنسان في الارتفاعات العالية ، وهي إشارة تسترعي انتباه الطبيب المتخصص
في طب الطيران والفضاء، وقد تخفى على القارئ العادي .
والحقائق العلمية في هذه الآية الكريمة لم يصل إليها الأطباء إلا بعد بحث واجتهاد دام عشرات السنين .
4 . المرحلة الحرجة من ارتفاع (25000 قدم) فأعلى في هذه المرحلة يفقد الإنسان الوعي تماماً بسبب فشل الجهاز العصبي .
وما يحدث للإنسان عندما يواصل الارتفاع في طبقات الجو العليا ويصل إلى مرحلة حرجة هو تفسير ماجاء في قوله تعالى :
{ضيقاً حرجاً كأنما يصّعّد في السماء} .
ويتحقق التوافق بين معنى الآية الكريمة ، والثابت في حقائق العلم الحديث ،
من خلال الدلالة الواضحة في الأعراض التي تصيب الإنسان عند التعرض لنقص
« الأوكسجين » في هذه المرحلة من الارتفاع ، فالتغييرات التي تحدث بالصدر
( أي الجهاز التنفسي ، والقلب ) تصل أقصاها .
وبعد هذه الحالة يحدث فشل كامل في وظائفهما «الفسيولوجية »
نتيجة العبء الملقى عليهما ، ويصاحبهما فشل في الجهاز العصبي
نتيجة التعرض للنقص الشديد في ضغط «الأوكسجين » وكميته الموجودة في الارتفاعات
العالية من الغلاف الجوي كما تقدم .
وهنا يتأكد لنا أن القرآن الكريم أخبر عن أمور علمية لم تكن معروفة زمن نزوله
على رسول الله [ ، وإنما أظهرها التقدم العلمي فيما بعد .
ظاهرة انخفاض الضغط الجوي ( ديسباريزم ):
وفيها تحدث مجموعة من الأعراض التي تنتج عن تمدد حجم الغازات وزيادتها
في جسم الإنسان عند تعرضه لانخفاض الضغط الجوي في الارتفاعات العالية
( السماء ) . وتحدث لركاب الطائرات عندما تفشل أجهزة ضبط الضغط
داخل الطائرة.
المصدر:
بحث علمي للدگتور / صـــلاح الــدين المـغـربي المستشار في طب الطيران
معهد طب الطيران ـ فامبرا ـ بريطانيا عضو جمعية طب الطيران
والفضاء بالولايات المتحدة
كلية الأطباء الملكية ـ لندن ـ كلية الجراحين الملكية - بريطانيا