هناك كثير من المصطلحات والكميات العلمية التي تُعرَّف بطرق مختلفة في الكتب المدرسية والجامعية، وتؤدي بعض هذه التعاريف لإعطاء معنى غير دقيق أو تعريف غير صحيح أصلاً.
وأود في هذه المشاركة التطرق إلى بعضها، علماً بأن المقصود هو "تصحيح"
هذه المفاهيم على المستوى التدريسي للأخوة والأخوات الطلبة في المراحل
الثانوية والسنوات الجامعية الأولى، وليس المقصود التعريف العلمي المتطور
الذي يستخدم مفاهيم معقدة ونظريات فيزيائية لايعلم بها إلا المتخصصون.
وسأبدأ بمفهوم الكتلة لأنه يستخدم يومياً وعلى كل المستويات.
ماهي الكتلة؟
معظم الكتب تعطي تعريفاً مبسطاً يقول: الكتلة هي مقدار مايحويه الجسم من مادة.
ولكن المادة هي عناصر مختلفة من كربون وأوكسجين وحديد و .. و... وغيرها. وكل هذه العناصر لها كتل. أي أننا نعرف الكتلة بأنها مقدار ماتحويه من كتلة !
إذاً يجب إعطاء تعريف أدق لهذه الكمية.
(تعريف تأثيري(Operational Definition) ( أي أثر جسم له خاصة الكتلة
لو أنني أخذت كتاباً وسألت أحد الطلبة: هل له كتلة؟ فسيكون الجواب الواضح: نعم، للكتاب كتلة.
فأسأل الطالب: كيف يمكنك إيجاد كتلة هذا الكتاب؟ فيجيب: أضعه على ميزانبالطبع الوزن هو ثقل الكتاب وليس كتلته وهذا من الأخطاء الشائعة أيضاً عند معظم الناس
ولكن عملية وزن الكتاب ماهي إلا "تحسس" تأثير الأرض (كتلة أخرى) عليه! لأن الميزان
يعمل بمبدأ بسيط حيث ينضغط فيه زنبرك، بسبب وزن الكتاب عليه، فيؤثر على
هذا الأخير بقوة إرجاع للأعلى إلى أن تتساوى القوتان ويتزن الكتاب على
الميزان.
فنحن نقرأ مقدار انضغاط الزنبرك الذي نحوله لكتلة الجسم بعملية معايرة للميزان.
فلمعرفة كتلة الكتاب احتجنا لجاذبية الأرض، أي احتجنا لكتلة ثانية!
ولو أننا ركبنا سفينة فضاء
وانطلقنا لمكان بعيد لاتوجد فيه أرض ولاكواكب ولانجوم وحاولنا معرفة وزن
الكتاب لما استطعنا استخدام الميزان. لأنه لم يعد هناك جسم آخر له خاصة
الكتلة لنرى تأثيره على الكتاب !
فلا تظهر خاصية الكتلة لجسم إلا إذا وجد جسم آخر له نفس الخاصية.
من هذا المنطلق نعرف الكتلة بأنها خاصية طبيعية (natural property) أوجدها الله عزوجل في بعض ماخلق ولم يوجدها في أخرى، (كالضوء أو النيترينو وغيرها)
و يمكن أن نزيد كتلة جسم له
خاصة الكتلة أو نأخذ منها. لكن لو لم تكن له هذه الخاصة فلا يمكن ولا بأي
شكل أن نعطيه كتلة مهما حاولنا. ولذلك لايمكن أن "نعطي" للضوء كتلة أبداً.
وبنفس الشكل نعرف خاصة الشحنة. فهناك أجسام لها شحنة كالبروتون والإلكترون، والتي تظهر عند وجود أجسام أخرى لها نفس الخاصة (قوة كولوم)، بينما لاتظهر أهمية الشحنة عندما نضع الجسم على الميزان، بمعنى أن لاعلاقة لخاصة الكتلة بخاصة الشحنة.
وهناك أجسام لاتوجد فيها هذه الخاصة، أي أنها غير مشحونة، ولايمكن أن نشحنها ولو حاولنا، كالنيوترون والضوء والنيترينو وغيرها.
و يدخل ماتقدم عن الخواص
الطبيعية في مفهوم القدر، لأن الله عز وجل قدّر خواص الأشياء. فالماء
سائل، والنار حارة، والحديد صلب، والأوكسجين غاز، وجسم له كتلة أو شحنة أو
كلاهما، وآخر غير ذلك، وهكذا.
ولو اختفت الخاصة التي قدرها
الله عزوجل فهذه معجزة، مثل: "قُلْنا يانارُ كوني برْداً وسلاماً على
ابراهيم" (الأنبياء 69)، و"فأوحينا إلى موسى أنْ اضرِبْ بِعَصاكَ البحرَ
فانفلقَ فكانَ كلُّ فرْقٍ كالطَوْدِ العظيم" (الشعراء 63). فانتفت الخاصة الطبيعية التي أودعها الله في النار والماء بإرادته وحده عزوجل !
( تعريف تحريكي(Dynamical Definition) (القصور الذاتي
لنفترض أن لدي علبة صغيرة
وصندوق كبير، وكلاهما ساكن على سطح جليدي أملس، بحيث يمكن إهمال الاحتكاك
بين السطح وبينهم. فلو أنني دفعت كل واحد منهما بنفس القوة لرأيت أن
الصندوق الكبير "يمانع" أن يتحرك أكثر من العلبة الصغيرة. وبالعكس، لو كان
كل واحد منهما ينزلق على السطح الجليدي بنفس السرعة وحاولت إيقافهما لوجدت
أن إيقاف الصندوق أصعب من إيقاف الكرة.
ولو استبدلت العلبة
الصغيرة بأخرى كبيرة جداً لوجدت أنها تمانع هذه المرة أكثر بكثير من
الصندوق. ولو سألنا شخصاً عن السبب لأجاب بكل بساطة أنه في الحالة الأولى
كانت كتلة الصندوق أكبر من كتلة العلبة الصغيرة ولذا كان تحريكه أو إيقافه
أصعب من العلبة. بينما صار تحريك العلبة الكبيرة جداً أو إيقافها أصعب من
الصندوق في الحالة الثانية بسبب كتلتها الكبيرة.
فكلما زادت كتلة جسم زادت ممانعته، ومن هذا المنطلق نعطي للكتلة تعريف تحريكي ونقول:
الكتلة هي مقدار ممانعة الجسم لأي تغيير في حالته الحركية الانتقالية.
وفي كلا الحالتين فإن تغيير الحالة الحركية للجسم (تغيير السرعة) يتناسب عكساً مع كتلته.
ولابأس من التنويه إلى أن
سرعة الجسم (قيمة واتجاهاً) هي التي تحدد الحالة الحركية الانتقالية. فإذا
بقي جسم ما ساكناً أو تحرك بسرعة ثابتة قيمة واتجاهاً دائماً فإننا نقول
إنه متزن ولاتتغير حالته الحركية الانتقالية. أما لو تسارع أو تباطأ فنقول إنه غير متزن. فالتسارع هو "دليل" تغير الحالة الحركية.
ونستنتج من الملاحظات السابقة أن دليل تغير الحالة الحركية لجسم يتناسب عكساً مع ممانعة هذا الجسم لهذا التغيير.
وبالطبع فإننا لانستطيع تغيير الحالة الحركية لجسم إلا إذا وجد سبب لذلك. ويرمز للسبب عادة باسم قوة. فالقوة هي "سبب" تغير الحالة الحركية الانتقالية لجسم. وكلما زاد السبب زاد الدليل.
ومن ثم فإننا نعرف قانون التحريك الأساس في الحركة الانتقالية (ويطلق عليه اسم قانون نيوتن الثاني) بالقول:
يتناسب دليل تغير الحالة الحركية الانتقالية لجسم أو منظومة طرداً مع سببها وعكساً مع ممانعتها، أي:
الدليل (التسارع) = السبب (القوة)/الممانعة (الكتلة(
ولو تمعنا بهذه الصياغة وفهمنا كيفية تطبيقها لصار حل معظم المسائل المتعلقة بقانون نيوتن الثاني مباشر وبعلاقة واحدة، على الأغلب.
وتأتي أهمية هذه الصياغة عند التطرق للحركة الدورانية ومفهوم عزم القصور الذاتي (أو عزم العطالة) (moment of Inertia)، عندما يصير دليل التغير في الحالة الحركية الدورانية هو التسارع الزاوي، وسببه هو عزم القوى. ومن ثم يمثل عزم القصور الذاتي ممانعة الجسم أو النظام لأي تغيير في حالته الحركية الدورانية.