بسمِ الله ، والحمدُ لله ، والصلاةُ والسّلامُ علىٰ رسولِ الله
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُه
أمّا بعد ،
حَيَّاكُمُ اللهُ جميعـًا يا طيّبين ، وبوّأكُمُ الجنّة
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُه
أمّا بعد ،
حَيَّاكُمُ اللهُ جميعـًا يا طيّبين ، وبوّأكُمُ الجنّة
القَواعِدُ التي يُحاسِبُ اللهُ العِبادَ علىٰ أساسِها
لو عذَّب اللهُ جميعَ خلقِهِ لم يكن ظالمـًا لهم ، لأنهم عبيدُه ، ومِلكُه ، والمالك يتصرف في مِلكِهِ كيف يشاء .
ولكنَّ الحقَّ تبارك وتعالى يحاكمُ عبادَهُ محاكمةً عادلةً يومَ القيامة ، وقد بَيَّنَ لنا ربُّنا في كثيرٍ من النصوص جملةَ القواعدِ التي تقوم عليها المحاكمة والمحاسبة في ذلك اليوم .
1- العدلُ التامُّ الذي لا يشوبُهُ ظُلم :
يُوَفِّي الحقُّ – عز وجل – عبادَهُ يومَ القيامةِ أجورَهُم كاملةً غيرَ منقوصة ، ولا تُظلَمُ نفسٌ شيئًا وإن كان مثقالَ حبةٍ من خردل { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ البقرة : 281] .
وقال تعالى علىٰ لسانِ لقمانَ في وصيَّتِهِ لابنهِ مُعَرِّفًا إيـَّاهُ عدلَ الله : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }[ لقمان : 16] .
وقال الحق في موضعٍ آخر : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] ، وقال : { وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } [ النساء : 77 ] . وقال : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } [ النساء: 124 ] .
وقال تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 - 8 ]، فقد أخبرَ الحقُّ تباركَ وتعالى في هذِهِ النصوصِ أنه يُوفِّي كلَّ عبدٍ عملَه ، وأنه لا يضيعُ منه ، ولا ينقصُ منه مقدارَ الذَّرَّة ، وهي الهباءةُ التي في أشعةِ الشمسِ إذا دخلتْ من نطاقٍ ما ، ولا مقدارَ الفتيلِ ولا النقير ، والفتيلُ هو الخيطُ الذي يكون في شَقِّ النّواة ، والنَّقِيرُ هو النَّقرةُ الصغيرةُ التي تكون في ظهر النّواة .
يُوَفِّي الحقُّ – عز وجل – عبادَهُ يومَ القيامةِ أجورَهُم كاملةً غيرَ منقوصة ، ولا تُظلَمُ نفسٌ شيئًا وإن كان مثقالَ حبةٍ من خردل { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ البقرة : 281] .
وقال تعالى علىٰ لسانِ لقمانَ في وصيَّتِهِ لابنهِ مُعَرِّفًا إيـَّاهُ عدلَ الله : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }[ لقمان : 16] .
وقال الحق في موضعٍ آخر : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] ، وقال : { وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } [ النساء : 77 ] . وقال : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } [ النساء: 124 ] .
وقال تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 - 8 ]، فقد أخبرَ الحقُّ تباركَ وتعالى في هذِهِ النصوصِ أنه يُوفِّي كلَّ عبدٍ عملَه ، وأنه لا يضيعُ منه ، ولا ينقصُ منه مقدارَ الذَّرَّة ، وهي الهباءةُ التي في أشعةِ الشمسِ إذا دخلتْ من نطاقٍ ما ، ولا مقدارَ الفتيلِ ولا النقير ، والفتيلُ هو الخيطُ الذي يكون في شَقِّ النّواة ، والنَّقِيرُ هو النَّقرةُ الصغيرةُ التي تكون في ظهر النّواة .
قاعدةُ الحسابِ والجزاءِ التي تُمثلُ قمّةَ العدلِ ومنتهاه ، أنَّ اللهَ يجازي العبادَ بأعمالِهِم ، إن خْيرًا فخير ، وإن شرًّا فشر ، ولا يُحَمِّلُ الحقُّ تباركَ وتعالىٰ أحدًا وِزرَ غيرِه ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [الأنعام : 164 ] .
وهذا هو العدلُ الذي لا عدلَ فوقَه ، فالمهتدي يقطفُ ثمارَ هدايتِه ،والضالُّ ضلالُه على نفسِه ، { مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَاكُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15] .
وهذِهِ القاعدةُ العظيمةُ هي إحدىٰ الشرائعُ التي اتفقت الرسالات ُالسماويةُ على تقريرِها ، قال تعالى : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى } [ النجم : 36-41] .
يقول القرطبيُّ في تفسيرِ قوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [ الأنعام : 164 ]"
أي: لا تَحمِلُ حاملةٌ ثِقْلَ أخرىٰ ، لا تُؤخَذُ نفسٌ بذنبِ غيرِها ، بل
كلُّ نفسٍ مأخوذةٌ بِجُرمِها ومعاقبةٌ بإثمِها ، وأصلُ الوِزْرِ الثِّقَل
، ومنه قولُه تعالى :{ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [الشرح : 2]،
وهو هنا الذنب ، .. والآية نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يقول : اتبعوا
سبيلي أحملْ أوزارَكُم ، ذكره ابن عباس ، وقيل : إنها نزلت ردًّا على
العربِ في الجاهليةِ من مؤاخذةِ الرجلِ بأبيهِ وابنه ، وبجريرةِ حليفِه " .
الذين يَجمعون أثقالاً مع أثقالِهم :
قد يُعارضُ بعضُ أهلِ العلمِ هذا الذي ذكرناه من أنَّ الإنسانَ لا يحمل شيئًا من أوزارِ الآخرين بمثلِ قولِه تعالى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13] ، وقولِه : { وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ النحل : 25] .
وهذا الذي ذكرُوه موافقٌ لما ذكرناه من النصوص ، وليس بمعارضٍ لها ، فإن هذه النصوص تدل على أنَّ الإنسانَ يتحمَّلُ إثمَ ما ارتُكِبَ من ذنوب ، وإثمَ الذين أضلهم بقولِهِ وفعلِه ، كما أنَّ دعاةَ الهدىٰ ينالونَ أجرَ ما عمِلُوه ، ومثلَ أجرِ من اهتدىٰ بهديِهِم ، واستفاد بعلمِهِم ، فإضلالُ هؤلاءِ لغيرِهِم هو فعلٌ لهم يُعاقَبون عليْه .
من إعذارِ اللهِ لِخَلْقِهِ وعَدْلِهِ في عبادِهِ أن يُطلِعَهُم علىٰ ماقدّموهُ من صالحِ أعمالهِم وطالِحِها ، حتى يحكُموا على أنفسِهِم ، فلا يكونُ لهم بعدَ ذلك عُذر .
قال تعالى : { إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [المائدة : 105] ، وقال : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [ آل عمران : 30 ]، وقال : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [ الانفطار : 5]،وقال : { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [الكهف : 49] .
وإطلاعُ العبادِ على ما قدّموهُ يكون بإعطائهِم صحائفَ أعمالهِم ، وقراءَتهِم لها ، فقد أخبرَنا ربُّنا – تبارك وتعالىٰ – أنهُ وَكَّلَ بكُلِّ واحدٍ منّا ملكينِ يُسجلان عليه صالحَ أعمالِهِ وطالِحَها ، فإذا مات خُتِمَ على كتابِه ، فإذا كان يومُ القيامةِ أُعطِيَ العبدُ كتابَهُ وقيل له : اقرأ كِتابَكَ كفىٰ بنفسِكَ اليومَ عليكَ حسِيبا .
قال تعالى : { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [ الإسراء : 13-14] .
وهو كتابٌ شاملٌ لجميعِ الأعمالِ كبيرِها وصغيرِها { وَوُضِعَ
الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ
يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا
كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }[ الكهف : 49 ] .
ـــــ
[size=25]يتبع
ـــــ[/size]