ما المنهاج والمنهج؟
د. عبد العزيز بن ندَى العتيبي
د. عبد العزيز بن ندَى العتيبي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
أخي القارئ مازلنا مع بيان وتوضيح المنهاج ورفع الإشكال عن المنهج. وتقدم في مقال سابق تعريفه وذكره في الكتاب والسنة.
اتفاق الأمم في أصل الشرائع والعبادات
إن الله تعالى بعث الأنبياء والرسل وأنزل الكتب في الأمم قبلنا، وكان الأنبياء قد كلفوا بالعبادات؛ كلفوا بالصلاة والزكاة والحج والصيام وغيرها، ومثاله:
أولا: اتفقت الملل في أصل تشريع الصلاة
1- إن الصلاة قد شرعت في الأمم من قبل، والصلاة مشروعة للجميع، قال تعالى: { أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [البقرة: 125]، وكذلك في قوله تعالى: { رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مَّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ }[إبراهيم: 37].
وعن إسماعيل قال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا }[مريم: 54-55].
ثانياً: اتفقت الملل في أصل تشريع الزكاة
2- وشرعت الزكاة في دين الإسلام وفي الملل الأخرى، قال تعالى عن عيسى عليه السلام: { وَأَوْصَانِى بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }[مريم:31]. وعن إسماعيل: { وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا }.
ثالثاً: اتفقت الملل في أصل تشريع الحج
3- والحج قد شرع من قبل، قال تعالى: { وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت }[آل عمران: 97]، وقال: { وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً }[الحج: 27].
رابعاً: اتفقت الملل في أصل تشريع الصيام
4- وكذلك الصيام مشروع قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }[البقرة: 183].
وكان لكل أمة طريق ومنهج في كيفية الصلاة، وفي كيفية أداء الزكاة، وكذلك في كيفية الحج والصيام، ولهذه الأمة منهجاً خاصاً في كيفية الصلاة والزكاة والحج والصيام وكل العبادات، ولم يترك أمر هذا الدين هملاً.
اختلاف المنهاج هو سبب الاختلاف بين الملل
والذي حصل أن هذه الأمم اتفقت في أصل التشريع، وقد كان لكل أمة منهج خاص لتطبيق هذه الشرعة، والقيام بِها على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة: 48]، وكان للأنبياء والرسل أتباع من الناس؛ آمنوا وصدقوا، وعملوا بما جاؤوا به، وخالف آخرون؛ وأصيب الأتباع بالخلاف والفرقة لما بدلوا الطريق، وخالفوا الأنبياء، كما روى مسلم في صحيحه (50) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي؛ إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف؛ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }[الأنعام: 159].
وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد قامت بِهذه العبادات على الطريقة والسنة والمنهج الذي اختصت به، قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }[الأحزاب: 21].
النجاة بالتمسك بشريعة ومنهاج الرسول صلى الله عليه وسلم
وجاء التحذير والنذير من الخلاف والفرقة، وأُخْبِرنا بأدلة الكتاب والسنة أنها آفة وداء أصاب الأمم السابقة، وسيصيب هذا البلاء بعضاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا قال تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا }[آل عمران: 103]، وقال تعالى: { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ }[آل عمران: 105]، ولا عاصم لهذه الأمة من ذلك إلا التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، والسير على المنهاج، قال تعالى:{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }[الشورى: 113]،
قال ابن كثير في التفسير:
فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل، من عبادة الله وحده لا شريك له، والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات، وجهالات، وآراء، وأهواء؛ الرسل بُرآء منها، كما قال: { لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }.اهـ
وجه الشبه بين المنهاج المنسوخ وانحراف الطريق
هناك شبه لا يمكن دفعه بين المناهج المنسوخة، وبين الطرق المنحرفة من طوائف وفرق مختلفة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم:
1- أسْماء أصول الشرع كالصلاة الزكاة الحج والصيام بعضه موجود عندهما.
2- التفرق والاختلاف وجه شبه بين الفريقين قبل الإسلام وبعده.
3- مخالفة منهاج النبوة.
4- النهي عنهما؛ فقد جاء الإسلام بالمنع عن المنسوخ، والنهي عن الانحراف عن السبيل والسنة.
وإن كل منهاج كان قبل الإسلام متبع فهو منسوخ، وأما بعد الإسلام فكل منهاج، وأي طريق غير منهاج النبوة؛ يُعَدُّ انحرافٌ عن السنة والصراط المستقيم.
الانحراف عن المنهاج
هو سبب الخلاف والفرقة بين طوائف الأمة
أيها المسلمون! رغم المسميات والألفاظ والاصطلاحات الشرعية الواحدة، ومع ذلك نجد اختلافا ظاهراً بين أفراد هذه الأمة عند تطبيق شرائع الإسلام والعمل بِها.
وهذا الخلاف المشاهد والفرقة والتنازع في هذه الأمة، أُراه خلاف مشابِهٌ لمخالفة دين الإسلام؛ ملل الأمم الأخرى كما بَيَّنا، رغم وجود اتفاق في أصل التشريع، واتفاق في الألفاظ والمسميات؛ كالصلاة والزكاة والحج والصيام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خالف الملل السابقة في منهاج العمل والتطبيق، وأما هذه الفرق والطوائف فقد ابتليت بالتفرق والشتات لمخالفة منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج أصحابه رضي الله عنهم.
قال عمر: هما المرءان يُقتدى بهما: (عهد النبوة وعهد خلافة أبي بكر)
فلا بد من المحافظة على السنة والسبيل والطريق الواضح.
(أ) روى البخاري في صحيحه (7281) من حديث جابر بن عند الله رضي الله تعالَى عنهما يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم:…إلَى قوله: "فمن أطاعَ مُحمداً صلى الله عليه وسلم؛ فقد أَطاعَ الله، ومن عصى مُحمداً صلى الله عليه وسلم؛ فقد عصى الله، وَمُحمدٌ صلى الله عليه وسلم فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ". وَفِي رواية في الصحيح: "فَرَّقَ بين الناسِ".
(ب) وروى البخاري (7219، 7269)، في صحيحيه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سَمع عمر الغد حين بايع المسلمون أبا بكر واستوى على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تَشَهَّدَ قَبْلَ أبي بكرٍ فقال: أما بعد فاختار الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هَدَى الله به رسولكم، فخذوا به تَهتدوا، وإنما هَدَى الله به رسوله.
(ج) روى البخاري (1594، 7275)، في صحيحيه عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: جلست مع شَيْبَةَ على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر رضي الله عنه فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته، قلت: إن صاحبيك لَم يفعلا، قال: هما المرءان أَقْتَدي بِهما. وفي لفظ للبخاري[7275]: هما المرءان يُقتدى بهما.
(د) روى البخاري (6497، 7086، 7276)، ومسلم (143) في صحيحيهما من حديث حذيفة رضي الله عنه يقول: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الأمانة نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال، ونزل القرآن فقرؤوا القرآن، وعلموا من السنة".
ما ضوابط المنهاج (الطريق الواضح)
وجعله واضحاً، والاستمرار في الوضوح؟
إن العمل بالكتاب والسنة متجرداً من كل شيءٍ هو دين الإسلام، فيعبد الله ويطاع، والعبادة لا تكون إلا بما شرع، فيعمل بكلام الله وكلام رسوله؛ دون تعصب لأحد من البشر، وبلا انتماء لمقالة مذهب أو شعار حزب، ولا ذوق طريقة، متخلصا من كل الأهواء والعوائق والأمراض، وما يمكن أن يطرأ على النفس؛ مما يصرف عن الامتثال والمتابعة التامة لكلام الله وكلام رسوله. فهذا هو الطريق الواضح والنهج الحق الموصل لمراد الله من العباد، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات: 56]، وهو فهم الإسلام جملة وتفصيلاً على ما جاء في كتاب الله تعالى وفي السنة الصحيحة.
الطائفة المنصورة على منهاج النبوة
روى مسلم في صحيحه (1920) من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم؛ حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
وذكر البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من كتابه الصحيح. ما رواه البخاري (7311)، ومسلم (1921) في صحيحهما من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون".
وروى البخاري (3641)، ومسلم (1037) في صحيحهما من حديث معاوية رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك".
وفي لفظ للبخاري: (7312) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة:
"ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله".
تابع معنا أخي القارئ في العدد القادم "بإذن الله" القواعد والأصول التي تعين على معرفة المنهاج والطريق الواضح، والحمد لله رب العالمين
أخي القارئ مازلنا مع بيان وتوضيح المنهاج ورفع الإشكال عن المنهج. وتقدم في مقال سابق تعريفه وذكره في الكتاب والسنة.
اتفاق الأمم في أصل الشرائع والعبادات
إن الله تعالى بعث الأنبياء والرسل وأنزل الكتب في الأمم قبلنا، وكان الأنبياء قد كلفوا بالعبادات؛ كلفوا بالصلاة والزكاة والحج والصيام وغيرها، ومثاله:
أولا: اتفقت الملل في أصل تشريع الصلاة
1- إن الصلاة قد شرعت في الأمم من قبل، والصلاة مشروعة للجميع، قال تعالى: { أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [البقرة: 125]، وكذلك في قوله تعالى: { رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مَّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ }[إبراهيم: 37].
وعن إسماعيل قال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا }[مريم: 54-55].
ثانياً: اتفقت الملل في أصل تشريع الزكاة
2- وشرعت الزكاة في دين الإسلام وفي الملل الأخرى، قال تعالى عن عيسى عليه السلام: { وَأَوْصَانِى بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }[مريم:31]. وعن إسماعيل: { وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا }.
ثالثاً: اتفقت الملل في أصل تشريع الحج
3- والحج قد شرع من قبل، قال تعالى: { وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت }[آل عمران: 97]، وقال: { وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً }[الحج: 27].
رابعاً: اتفقت الملل في أصل تشريع الصيام
4- وكذلك الصيام مشروع قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }[البقرة: 183].
وكان لكل أمة طريق ومنهج في كيفية الصلاة، وفي كيفية أداء الزكاة، وكذلك في كيفية الحج والصيام، ولهذه الأمة منهجاً خاصاً في كيفية الصلاة والزكاة والحج والصيام وكل العبادات، ولم يترك أمر هذا الدين هملاً.
اختلاف المنهاج هو سبب الاختلاف بين الملل
والذي حصل أن هذه الأمم اتفقت في أصل التشريع، وقد كان لكل أمة منهج خاص لتطبيق هذه الشرعة، والقيام بِها على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة: 48]، وكان للأنبياء والرسل أتباع من الناس؛ آمنوا وصدقوا، وعملوا بما جاؤوا به، وخالف آخرون؛ وأصيب الأتباع بالخلاف والفرقة لما بدلوا الطريق، وخالفوا الأنبياء، كما روى مسلم في صحيحه (50) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي؛ إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف؛ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }[الأنعام: 159].
وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد قامت بِهذه العبادات على الطريقة والسنة والمنهج الذي اختصت به، قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }[الأحزاب: 21].
النجاة بالتمسك بشريعة ومنهاج الرسول صلى الله عليه وسلم
وجاء التحذير والنذير من الخلاف والفرقة، وأُخْبِرنا بأدلة الكتاب والسنة أنها آفة وداء أصاب الأمم السابقة، وسيصيب هذا البلاء بعضاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا قال تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا }[آل عمران: 103]، وقال تعالى: { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ }[آل عمران: 105]، ولا عاصم لهذه الأمة من ذلك إلا التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، والسير على المنهاج، قال تعالى:{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }[الشورى: 113]،
قال ابن كثير في التفسير:
فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل، من عبادة الله وحده لا شريك له، والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات، وجهالات، وآراء، وأهواء؛ الرسل بُرآء منها، كما قال: { لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }.اهـ
وجه الشبه بين المنهاج المنسوخ وانحراف الطريق
هناك شبه لا يمكن دفعه بين المناهج المنسوخة، وبين الطرق المنحرفة من طوائف وفرق مختلفة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم:
1- أسْماء أصول الشرع كالصلاة الزكاة الحج والصيام بعضه موجود عندهما.
2- التفرق والاختلاف وجه شبه بين الفريقين قبل الإسلام وبعده.
3- مخالفة منهاج النبوة.
4- النهي عنهما؛ فقد جاء الإسلام بالمنع عن المنسوخ، والنهي عن الانحراف عن السبيل والسنة.
وإن كل منهاج كان قبل الإسلام متبع فهو منسوخ، وأما بعد الإسلام فكل منهاج، وأي طريق غير منهاج النبوة؛ يُعَدُّ انحرافٌ عن السنة والصراط المستقيم.
الانحراف عن المنهاج
هو سبب الخلاف والفرقة بين طوائف الأمة
أيها المسلمون! رغم المسميات والألفاظ والاصطلاحات الشرعية الواحدة، ومع ذلك نجد اختلافا ظاهراً بين أفراد هذه الأمة عند تطبيق شرائع الإسلام والعمل بِها.
وهذا الخلاف المشاهد والفرقة والتنازع في هذه الأمة، أُراه خلاف مشابِهٌ لمخالفة دين الإسلام؛ ملل الأمم الأخرى كما بَيَّنا، رغم وجود اتفاق في أصل التشريع، واتفاق في الألفاظ والمسميات؛ كالصلاة والزكاة والحج والصيام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خالف الملل السابقة في منهاج العمل والتطبيق، وأما هذه الفرق والطوائف فقد ابتليت بالتفرق والشتات لمخالفة منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج أصحابه رضي الله عنهم.
قال عمر: هما المرءان يُقتدى بهما: (عهد النبوة وعهد خلافة أبي بكر)
فلا بد من المحافظة على السنة والسبيل والطريق الواضح.
(أ) روى البخاري في صحيحه (7281) من حديث جابر بن عند الله رضي الله تعالَى عنهما يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم:…إلَى قوله: "فمن أطاعَ مُحمداً صلى الله عليه وسلم؛ فقد أَطاعَ الله، ومن عصى مُحمداً صلى الله عليه وسلم؛ فقد عصى الله، وَمُحمدٌ صلى الله عليه وسلم فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ". وَفِي رواية في الصحيح: "فَرَّقَ بين الناسِ".
(ب) وروى البخاري (7219، 7269)، في صحيحيه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سَمع عمر الغد حين بايع المسلمون أبا بكر واستوى على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تَشَهَّدَ قَبْلَ أبي بكرٍ فقال: أما بعد فاختار الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هَدَى الله به رسولكم، فخذوا به تَهتدوا، وإنما هَدَى الله به رسوله.
(ج) روى البخاري (1594، 7275)، في صحيحيه عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: جلست مع شَيْبَةَ على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر رضي الله عنه فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته، قلت: إن صاحبيك لَم يفعلا، قال: هما المرءان أَقْتَدي بِهما. وفي لفظ للبخاري[7275]: هما المرءان يُقتدى بهما.
(د) روى البخاري (6497، 7086، 7276)، ومسلم (143) في صحيحيهما من حديث حذيفة رضي الله عنه يقول: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الأمانة نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال، ونزل القرآن فقرؤوا القرآن، وعلموا من السنة".
ما ضوابط المنهاج (الطريق الواضح)
وجعله واضحاً، والاستمرار في الوضوح؟
إن العمل بالكتاب والسنة متجرداً من كل شيءٍ هو دين الإسلام، فيعبد الله ويطاع، والعبادة لا تكون إلا بما شرع، فيعمل بكلام الله وكلام رسوله؛ دون تعصب لأحد من البشر، وبلا انتماء لمقالة مذهب أو شعار حزب، ولا ذوق طريقة، متخلصا من كل الأهواء والعوائق والأمراض، وما يمكن أن يطرأ على النفس؛ مما يصرف عن الامتثال والمتابعة التامة لكلام الله وكلام رسوله. فهذا هو الطريق الواضح والنهج الحق الموصل لمراد الله من العباد، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات: 56]، وهو فهم الإسلام جملة وتفصيلاً على ما جاء في كتاب الله تعالى وفي السنة الصحيحة.
الطائفة المنصورة على منهاج النبوة
روى مسلم في صحيحه (1920) من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم؛ حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
وذكر البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من كتابه الصحيح. ما رواه البخاري (7311)، ومسلم (1921) في صحيحهما من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون".
وروى البخاري (3641)، ومسلم (1037) في صحيحهما من حديث معاوية رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك".
وفي لفظ للبخاري: (7312) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة:
"ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله".
تابع معنا أخي القارئ في العدد القادم "بإذن الله" القواعد والأصول التي تعين على معرفة المنهاج والطريق الواضح، والحمد لله رب العالمين